ثم أطل بالمسك إذ شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيباً بماء فعادا بعد ابوالا
ثم استأذن وهو على سريره وتاجه على رأسه ووميض المسك في مفرقه وسيفه بين يديه وعن يمينه وشماله الملوك والمقاول وأبناء الملوك، فسلم عبد المطلب، ودنا وأستأذنه في الكلام. فقال له سيف: إن كنت ممن يتكلم بين أيدي الملوك فقد أذنا لك. فقال عبد المطلب: أيها الملك، إن الله جل اسمه قد أحلك محلاً رفيعاً
صعباً منيعاً شامخاً باذخاً وأنبتك منبتاً طابت أرومته وعزت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه في أكرم معدن وأطيب موطن. وأنت أيها الملك رأس العرب وربيعها الذي به تخصب وأنت عمودها الذي عليه عمادها ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك لنا خير سلف وأنت لنا منهم خير خلف ولم يخمد ذكر من أنت سلفه ولن يهلك من أنت خلفه، نحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا الذي أبهجنا إليك لكشف الكرب فنحن وفد التهنئة لا وفد الرزية. فقال سيف: أيهم المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: ابن أختنا؟ قال: نعم أصلح الله الملك. قال: مرحباً وأهلاً وناقة ورحلا وملكاً ربحلا يعطي عطاء جزلاً قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم، فأهل الليل والنهار ما أقمتم ولكم الحباء إذا ظعنتم، ثم انهضوا إلى دار الضيافة وأجرى عليهم الإنزال وأقاموا لا يصلون إليه ولا بأذن لهم شهراً. ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأحضره وأدنى مجلسه ورفع قدره. ثم قال له: يا عبد المطلب إني مفوض إليك أمراً لو كان غيرك لم أبح له به، وجدتك معدنه فأطلعتك عليه: إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون خيراً عظيماً وخطراً جسماً فيه شرف الحياة