الجيوش وسار إلى مكة - كما كانت التبابعة العظماء قبله يفعلون - وكانت التبابعة منهم من يلي الجيوش في مشارق الأرض ومغاربها ومن ينزل مكة فيقيم بها ويبعث الجيوش: جيشاً إلى المغرب فلا يرجع إليه حتى يبلغ البحر المحيط، وجيشاً إلى المشرق فلا يرجع حتى يبلغ البحر المحيط، وجيشاً في يمن الأرض فلا يرجع حتى يبلغ البحر المحيط، وجيشاً في شمالها فلا يرجع حتى يبلغ البحر المحيط. فنزل صيفي إلى مكة وبعث الجيوش في آفاق الأرض، فأقام بمكة عشر سنين، وإن رجلاً آتاه فقال له: أيها الملك رأيت كأن الشمس سقطت في سملق من هذه الجبانة فابتعلتها؟ قال له عراف كان بمكة: أسكت هتك الله فمك، والله لئن صدقت رؤياك ليهلكن الملك، وإن الملك تبعاً لم يلبث إلا يسيراً حتى اعتل في وجهه بقرحة، فلم يقم إلا ثلاثة أيام ومات فسميت قرحة الملوك، فكان ملك تبع صيفي ثلاثين عاماً. فقال جلهمة بن العراف الكندي يرثى تبعاً:
كر الليالي لآجال الفتى سبب ... يزجي له أثر بالحتم موقوتا
يضحي على أمل يمسي على أجل ... بفجعة تترك الإنسان مبهوتا
اعلم ولا بد إن طال المقام به ... لمنهل ثابت يأتيه مبغوتا
لا يدفع الملك عن صيفي منيته ... فملكه صار بعد الموت موروثا
قد كان شمساً على الآفاق مشرقة ... وتاجه محكماً دراً وياقوتا
من كان لم يدر ما يقضي عليه غدا ... لم يبرم الأمر بالآيات منعوتا
من قامر الدهر لم يحمد عواقبه ... والدهر قامر طالوتا وجالوتا
احذر وإن كنت لا تمشي على حذر ... فالأمر عن غفلة من أمنه توتى