كتب غير مشتهرة لا يطلع عليها كل وافد، ولا يسرح في روض رياضها إلا الواحد بعد الواحد، وجلت شرعة الله أن تكون منهلا لكل وارد. والقرائح مراتب والفضائل مواهب، والعلم عباب زاخر، وكم يترك الأول للآخر، ولم أتعرض إلا لما تمس الحاجة إليه ويتوقف فهم أسرار الشريعة عليه، وتركت ما لا نحتاج إليه فيها إلا نادرا. وإن كان بديعا فاخرا1.
قد كتب الإمام المناوي في جميع مناحي الفكر والمعرفة سواء في المباحث الشرعية أو في العلوم الطبية أو الإلهية، وكان حجة في كل ما كتب أو أملى. وتعد مؤلفاته دائرة معارف عامة للحياة العربية، لو صح هذا التعبير، فهي تجمع بين كل النواحي العقلية والاجتماعية والأخلاقية والفنية والعلمية. وهو في كل تآليفه إنما تحرى الصحيح وقصده.
ومن هنا جاء اهتمامه وعنايته بالمفردات كأداة دقيقة للتعبير عما يكتب، فالمفردات لديه تعطي لكل كلمة معنى خاصا أو صورة خاصة، أو تشير إلى مسمى خاص لا تحيد عنه. وكل كلمة من كلمات اللغة يقابلها لديه فكرة من الأفكار أو عاطفة من العواطف. ومن هنا جاءت دقته الشديدة في تحري الصواب وتلمس معاني الكلمات في مظانها المختلفة واستقصاء أصولها واستيعاب شواهدها وضبط كلماتها وموازينها، وبيان الفروق اللغوية بين مترادفاتها، وتحقيق المعرب والدخيل والأعجمي والأصيل، استنادا إلى الكتب والمعاجم اللغوية التي وضعها من سبقوه من العلماء والنحاة. فحشد ما وقع تحت يديه من معلومات قيمة لا تتأتى لكل إنسان، فترك لنا ثروة لغوية جديرة بأن تخرج إلى النور في أيامنا هذه التي نحتاج فيها إلى لغتنا لكي نجاري مقتضيات العصر الذي حققت فيه العلوم تقدما هائلا ومذهلا.
وقد اختط لنفسه في ذلك طريقا التزم فيه بضبط الحركات، تجنبا للتصحيف، فضبط المادة بالعبارة كأن يقول: القدر محركا، أو بالتحريك، وهكذا.
ورتب توقيفه على أبواب بعدد حروف الهجاء مع مراعاة الحرف الثاني الذي رتبه على حروف الهجاء أيضا، فجاء في ثمانية وعشرين بابا، كل باب منها يضم سبعة