وخلقه، وعمله ودينه، وجميع أحواله: {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [سورة آل عمران: 193] أي: إيمانا لا يدخله ريب.
ولما كان هذا الإيمان من أعظم ما يقرب العبد إلى الله، ومن أعظم الوسائل التي يحبها الله - توسلوا بإيمانهم أن يكفر عنهم السيئات وينيلهم المطالب العاليات فقالوا: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [سورة آل عمران: 193] .
ولهذا كان الرجل المنصف - الذي ليس له إرادة إلا اتباع الحق مجرد ما يراه ويسمع كلامه - يتبادر إلى الإيمان [به صلى الله عليه وسلم] ، ولا يرتاب في رسالته بل كثير منهم - مجرد ما يرى وجهه الكريم - يعرف أنه ليس بوجه كذاب.
وقيل لبعضهم: " لم بادرت إلى الإيمان بمحمد قبل أن تعرف رسالته؟ " فقال: " ما أمر بشيء، فقال العقل ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء، فقال العقل ليته أمر به ". فاستدل العاقل الموفق - بحسن شريعته، وموافقتها للعقول الصحيحة - على رسالته، فبادر إلى الإيمان [به] .
ولهذا استدل ملك الروم هرقل - لما وصف له ما جاء به الرسول، وما كان يأمر به، وما ينهى عنه - استدل بذلك أنه من أعظم الرسل، واعترف بذلك اعترافا جليا. ولكن منعته الرئاسة وخشية زوال ملكه من اتباعه، كما منع كثيرا ممن اتضح له أنه رسول الله حقا. وهذا من أكبر موانع الإيمان في حق أمثال هؤلاء.
وأما أهل البصائر والعقول الصحيحة، فإنهم يرون هذه الموانع والرئاسات والشبهات والشهوات تضمحل، ولا يرون لها قيمة حتى يعارض بها الحق الصحيح النافع، المثمر للسعادة عاجلا وآجلا.
ولهذا السبب الأعظم، كان المعتنون بالقرآن حفظا ومعرفة، والمعتنون بالأحاديث الصحيحة - أعظم إيمانا ويقينا من غيرهم، وأحسن عملا في الغالب.