ثالثها: يعود فيمشي ما ركب وعليه الهدي، روي عن ابن عباس أيضًا (?)، وروي عن النخعي (?) وابن المسيب، وهو قول (عن) (?) مالك جمع عليه الأمرين المشي والهدي احتياطًا؛ لموضع تفريقه بالمشي الذي كان لزمه في سفر واحد، فجعله في سفرين قياسًا على التمتع والقران.
وقال ابن التين: مذهب مالك: إذا عجز عن مشي البعض فإن ركب الكثير فعنه: يبتدئ المشي كله، وعنه: يرجع فيمشي ما ركب، وإن ركب يومًا وليلة رجع فمشى ما ركب، وإن ركب أقل من ذَلِكَ فليس عليه الرجوع، ويجزئه الهدي (?)، ويمكن أن يتأول لحديث أنس وعقبة بوجه موافق لفقهاء الأمصار حَتَّى لا ينفرد أهل الظاهر بالقول بهما، وذلك أن في نصهما ما يبين المعنى فيهما وهو أنه - عليه السلام - رأى شيخًا يهادى بين ابنيه فقال: "إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه" فبان واتضح أنه كان غير قادر على المشي، وممن لا ترجى له القدرة عليه، ومن كان غير قادر على شيء سقط عنه.
والعلماء متفقون: أن الوفاء بالنذر إنما يكون فيما هو لله تعالى طاعة، والوفاء به بر، ولا طاعةَ ولا برَّ، في تعذيب أحد نفسه، فكأن هذا الناذر قد نذر على نفسه ما لا يقدر على الوفاء به، وكان في معنى أبي إسرائيل الذي نذر ليقومن في الشمس ولا يستظل ويصوم ذَلِكَ اليوم، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن يجلس ويستظل ويصوم، ولم يأمره بكفارة.