غير مكثر من العلم ولا ضابط له مثل هذا الرجل لم يحفظ ما قرأ به - صلى الله عليه وسلم - في العتمة.
وفيه: أنه قد يجوز أن ينفي فعل الشيء عمن لم يحكمه؛ لأن أبا
هريرة قَالَ للرجل: لم تشهدها؟ يريد شهودًا تامًا، فقال الرجل: بل شهدتها. كما يقال للصانع إذا لم يحسن صنعته: ما صنعت شيئًا. يريدون الإتقان، وللمتكلم: ما قلتَ شيئًا. إذا لم يعلم ما يقول.
وقول الرجل لأبي هريرة: لا أدري بما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يدل على أنه كان مفكرًا في صلاته، فلذلك لم يدر ما قرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
إذا تقرر ذلك: فالفكر في الصلاة أمر غالب لا يمكن الاحتراز من جميعه، لما جعل الله للشيطان من السبيل إلى تذكيرنا ما يُسهينا به عن صلاتنا، وخير ما اشتغل به في الصلاة مناجاة الجليل جل جلاله، ثم بعده الفكر في إقامة حدود الله كالفكر في تفريق الصدقة كما فعله - صلى الله عليه وسلم -، أو في تجهيز جيش الله تعالى على أعدائه المشركين كما فعل عمر (?).
وروى هشام بن عروة، عن أبيه: قَالَ عمر: (إني) (?) لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة (?). ولذلك قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" (?) للحض على الإقبال على الصلاة، وليجاهد الشيطان في ذلك بما رغبهم فيه وأعلمهم من غفران الذنوب لمن أجهد نفسه فيه.