وهذا الخلاف في أي البلدين أفضل؟ فذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى تفضيل المدينة، وحملوا الاستثناء على تفضيل الصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة على سائر المساجد، إلا المسجد الحرام فبأقل من الألف، واحتجوا بما قَالَ عمر: صلاة في المسجد الإكرام غير من مائة صلاة فيما سواه (?).
ولا يقول عمر هذا من تلقاء نفسه، ولا من اجتهاده، فعلى هذا تكون فضيلة مسجده على المسجد الحرام بتسعمائة وعلى غيره بألف.
وذهب الكوفيون والمكيون وابن وهب وابن حبيب من أصحابنا إلى تفضيل مكة، واحتجوا بما زاد قاسم بن أصبغ وغيره في هذا الحديث من رواية عبد الله بن الزبير بعد قوله: "إلا المسجد الحرام" قَالَ: "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة" (?).
قَالَ: وهذا الحديث رواه عبد بن حميد وقال فيه: "بمائة ألف صلاة" (?) وهذِه الروايات منكرة لم تشتهر عند الحفاظ، ولا خرّجها أصحاب الصحيح، ولا شك أن المسجد الحرام مستثنى من قوله: "من المساجد" وهي بالاتفاق مفضولة، والمستثنى من المفضول مفضول إذا سكت عليه، فالمسجد الحرام مفضول، لكنه (يقال) (?): مفضول بألف؛ لأنه قد استثناه منها، فلابد أن يكون له مزية على غيره من المساجد ولم يعينها الشرع، فيوقف فيها، أو يعتمد على قول عمر.