ثم اعلم أن صفات القديم (?) جل جلاله إما أن يكون استحقها لنفسه أو لصفة قامت به أو لفعل يفعله، ولا يطلق شيء من الألفاظ في أوصافه وأسمائه المتفرعة عما تقدم إلا بتوقيف كتاب أو سنة أو اتفاق الأمة دون قياس، فلا مجال له فيها، وقيل ما يرد من مثل هذِه الأخبار من مثل هذا اللفظ -أعني: ينزل- إلا ونظيره في القرآن. قَالَ تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 22] و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمَامِ} [البقرة: 210]، وقوله: {فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ} [النحل: 26] وأهل البدع يحملونها إذا وردت في القرآن على التأويل (الصحيح) (?)، ويأتون من جمل الأخبار على مثل ذلك جحدًا منهم لسنة المصطفي - صلى الله عليه وسلم -، واستخفافًا بذوي النهى الناقلين، {وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32].
ولا فرق بين الإتيان والمجيء والنزول إذا أضيف إلى جسم يجوز عليه الحركة والنقلة التي هي تفريغ مكان وشغل غيره، فإذا أضيف ذلك إلى من لا يليق به الانتقال والحركة كان تأويل ذلك على حسب ما يليق بنعته وصفته تعالى، فالنزول لغة يستعمل لمعان خمسة مختلفة: بمعنى الانتقال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] والإعلام: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193)} [الشعراء: 193] أي: اعلم به الروح الأمين