استشار أبا بكر وعمر في أساري بدر، وأصحابه يوم الحديبية.
وأما قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [آل عمران: 159]، قال قتادة: أمر الله نبيه إذا عزم علي أمر أن يمضي فيه ويتوكل علي الله (?)، قال المهلب: وامتثل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمر ربه تعالى فقال: "ما ينبغي لنبي لبس لامته .. " إلى آخره، يعني أي ليس ينبغي له إذا عزم أن ينصرف؛ لأنه نقض للتوكل الذي شرطه الله مع العزيمة، فلبسه لأمته دال على العزيمة، وفي أخذه - عليه السلام - بما يراه الله من الرأي بعد المشورة حجة لمن قال من الفقهاء: أن الأنبياء يجوز لهم الاجتهاد فيما لا وحي عندهم فيه. وقد سلف بيانه قبلُ.
وفيه من الفقه أيضًا أن للمستشير والحاكم أن يعزم من الحكم على غير [ما] (?) قال به مشاوره إذا كان من أهل الرسوخ في العلم وأن يأخذ بما يراه كما فعل - عليه السلام - في مسألة عائشة - رضي الله عنها - فإنه شاور عليًّا وأسامة وقد سلف، فلم يأخذ بقول أحدهما وتركها عند أهلها حتى نزل القرآن فأخذ به، وكذلك فعل الصديق فإنه شاور أصحابه في مقاتلة مانعي الزكاة وأخذ بخلاف ما أشاروا به عليه من الترك لما كان عنده متضحًا من قوله - عليه السلام - "إلا بحقها" وفهمه هذِه الآية مع ما يعضدها من قوله - عليه السلام -: "من بدل دينه فاقتلوه".
فصل: