عليه، فإنه أتى مباحًا له إتيانه، والثاني: ما لا تبيحه كالقتل والجراح والضرب وإفساد الأموال فهذا لا يبيحه الإكراه، فمن أكره على شيء منه لزمه القَوَد والضمان؛ لأنه أتى محرمًا عليه إتيانه.

والإكراه هو كل ما سمي في اللغة إكراهًا، وعرفنا بالحس أنه إكراه كالوعيد بالقتل فيمن لا يؤمن منه إنفاذه، وبالضرب وبالسجن وبإفساد المال والوعيد في مسلم غيره بالقتل أو ضرب أو سجن أو إفساد مال؛ لقوله - عليه السلام -: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" (?).

فمن أكره على شرب خمر أو أكل خنزير أو ميتة أو دم أو بعض المحرمات أو أكل مال مسلم أو ذمي فمباح له أكل أو شرب ولا شيء عليه، لا حد ولا ضمان؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فإن كان المكره على أكل مال مسلم له مال حاضر معه فعليه قيمة ما أكل، فإن لم يكن له مال حاضر فلا شيء عليه فيما أكل، فإن قيل: فهلا ألحقتم القتل والزنا والجراح والضرب وإفساد المال بهذا الاستدلال؟

قلنا: النص لم يبح له قط أن يرفع عن نفسه ظلمًا بظلم غيره فيمن لم يعتد عليه، وأما الواجب عليه دفع الظالم وقتاله بقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده إن استطاع وإلا فبقلبه" (?) فصح أنه لم يبح له قط العون على الظلم، لا لضرورة ولا لغيرها، وإنما فسح له إن عجز ألا يغير بيده ولا بلسانه، وبقي عليه التغيير بقلبه ولابد والصبر لقضاء الله فقط،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015