فصل:
حض الشارع أمته على الكفارة، إذا كان إتيانها خيرًا من التمادي على اليمين، وأقسم أنه كذلك يفعل هو. ألا ترى أنه حلف لا يحمل الأشعريين حين لم يكن عنده ما يحملهم عليه، فلما أتي بالإبل حملهم عليها، وأقسم أيضًا أن التمادي على اليمين والاستلجاج فيها أشد إثمًا من إعطاء الكفارة.
والاستلجاج في أهله: هو أن يحلف أن لا ينيلها خيرًا، أو لا يجامعها، أو لا يأذن لها في زيارة قرابة، أو مسير إلى مسجد، فتماديه في هذِه اليمين وبره فيها إثم له عند الله من أنه لا يكفر يمينه؛ لأن من فعل ذلك فهو داخل في معنى قوله: (تألى) (?) أن لا يفعل خيرًا. وهذا منهي عنه.
وقد جاء مصداق هذِه الأحاديث في كتاب الله، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224]، قال أهل التفسير: نزلت هذِه الآية في الرجل يحلف أن لا يبر، ولا يصل قرابته ورحمه، ولا يصلح بين اثنين، فأمروا بالصلة والمعروف، والإصلاح بين الناس.
والعرضة في كلام العرب: القوة والشدة، يقال: هذا الأمر عرضة لك، أي: قوة وشدة على أشيائك، فمعناه على هذا: لا تجعلوا يمينكم قوة لكم في ترك فعل الخير (?).