خسارة عمله طول عمره بالخير، ثم يخلق لنفسه عملًا من الشر والكفر، فيدخل به النار، وهل السابق له إلا فعل ربه وخلقه له؟ وخلق عمله السيئ كسبًا له، فاكتسب العبد بشهوة نفسه الأمارة بالسوء، (مستلذًا) (?) بذلك العمل، أقدره الله عليه بقدرة خلقها له بحضرة الشيطان المغوي لنفسه الأمارة له مع الشيطان بالسوء، فاستحق العقاب على ذَلِكَ، فانقطعت حجة العبد بالنذارة، وانقطعت حجة القدرية بسابق كتاب الله تعالى على العبد المعترف بمآل أمره اكتسابه العمل القبيح؛ يخلق الله له قدرة على عمله بحضرة عدويه؛ نفسه وشيطانه؛ ولذلك نسب الشر إلى الشيطان لتزيينه له، ونسبة الخير إلى الله لخلقه لعبده، وإقدار العبد عليه مع حضرة الملك المسدد له، الدافع لشيطانه عنه بعزة الله وعصمته، هذا هو أصل الكلام في القدرية، ثم يلزمهم أن يكون العبد شريكًا لله في خلقه، بأن يكون العبد يخلق أفعاله، والله تعالى قد أتى من ذَلِكَ بقوله: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16]، و {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ} [فاطر: 3]، فخالفوا النص، وأوجبوا للعبد من القدرة على خلق عمله ما أوجبه الله لنفسه من الانفراد بالخلق؛ ولذلك سميت القدرية مجوس هذِه الأمة في عدة أحاديث؛ لقولها: بخالقين، مثل ما قالته
المجوس من اعتبارها الأرباب من الشمس والقمر والنور والنار والظلمة، كل على اختياره، وقد نص الله على إبطال قول القدرية لعلمه بضلالهم؛ ليهدي بذلك أهل سنته، فقال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] (?).