وذكر عن عمرو بن عبيد إمام القدرية، وزاهدهم ومقدمهم، أنه قال: لو سمعت هذا الحديث من أبي عثمان (لكتبته) (?)، ولو سمعته من زيد بن وهب لرددته، ولو سمعته من ابن مسعود لما قبلته، ولو سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطرحته، ولو سمعته من الله لقلت: ما على هذا أخذت مواثيقنا (?)؟ فهذا قد أرتكب في مقالته هذِه خطبًا جسيمًا، نعوذ بالله من الضلال، ونسأله الفوز من الأهوال.
وقوله: ("غير باع أو ذراع"). قال ابن التين: غير باع؛ كذا وقع لأبي ذر، والباع؛ قدر مد اليدين، وهذا تمثيل كلام، وقد بسطت شرحه في "شرح الأربعين" أكمل من هذا.
فصل:
قال المهلب: في هذا الحديث رد لقول القدرية، واعتقادهم أن العبد يخلق أفعاله كلها من الطاعات والمعاصي، وقالوا: إن الله يتنزه عن أن يخلق المعاصي والزنا والكفر وشبهه، فبان في هذا الحديث تكذيب قولهم بما أخبر به - عليه السلام - أنه يكتب في بطن أمه شقي أو سعيد، مع تعريف الله العبد أن سبيل الشقاء هو العمل بالمعاصي والكفر، فكيف يجوز أن يعمل بما أعلمه الله أنه يعذبه عليه، ويشقيه به مع قدرة العبد على اختياره لنفسه وخلقه لأعماله دون ربه تعالى أن يكون معه خالق غيره، ثم قطع القدرية بقوله: "فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" فلو كان الأمر إلى اختياره؛ أتراه كان يختار