وأما ما يقول المشمت، فقيل: يرحمك الله؛ على ما في الحديث، روي ذَلِكَ عن أنس، ورواية عن ابن مسعود، وهو مذهب مالك وغيره، وروى عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: "لما فرغ الله من خلق آدم عطس آدم، فألقى عليه الحمد، فقال له تعالى: يرحمك ربك". وروي عن إبراهيم قال: كانوا يعمُّون بالتشميت والسلام، وكان الحسن يقول: الحمد لله يرحمكم الله، وعن ابن مسعود وابن عمر وسالم وإبراهيم: يرحمنا الله وإياكم.
وأما ما يرد به العاطس، فعند مالك والشافعي لفظان: يهديكم الله ويصلح بالكم، وروي عن أبي هريرة والثاني: يغفر الله لكم. قال في "المعونة": والأول أفضل؛ لهذا الحديث؛ ولأن الهداية أفضل من المغفرة؛ لأنها قد تكون بلا ذنب بخلاف المغفرة (?). وقال في "تلقينه": الثاني أحسن. وقيل عن الشعبي: يهديكم الله.
وروي عن ابن مسعود وابن عمر وأبي وائل والنخعي والكوفيين أنهم أنكروا الأول، واحتجوا بحديث أبي موسى أن اليهود كانوا يتعاطسون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجاء أن يقول: يرحمكم الله، فيقول ذَلِكَ (?). قيل: وإنما هذا يدعى به لغير مسلم. وهذا الحديث حجة عليهم. قال الطبري: ولا وجه لقولهم. واحتج عليهم الطحاوي بقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] الآية، فإذا قال جواب (يرحمك الله): يغفر الله لكم، فقد رد مثل ما حياه، وإذا رد: بـ (يهديكم الله) إلى آخره، فقد رد أحسن؛ لأن المغفرة ستر الذنوب، والرحمة ترك