الكسب، فلما تِيْبَ عليه لم يبق إلا القدر، والقدر لا يتوجه إليه لوم، وزعم الليث بن سعد أن الحجة إنما صحت لادم من أجل أن الله قد غفر له، فلم يكن لموسى أن يعيره بما قد غفر له، وأما من أخطأ ولم تأته المغفرة فالعلماء مجمعون أنه لا يجوز أن يحتج بما احتج به آدم فلا يقول: أتلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله ذلك عليَّ وإن كان محقًّا. والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه، ولم يشرع للابن لوم أبيه، وإنما لم يسقط اللوم عن العاصي منَّا لبقائه في دار التكليف، وأحكامهم جارية عليهم من العقوبة والتوبيخ وغيرهما، وفي ذلك زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، وأما آدم فليس في دار التكليف.

وقوله: ("فحج آدم موسى") أي: غلبه بالحجة وظهر عليه بها، والمراد بالتقدير السالف الكتابة في اللوح المحفوظ أو في صحف التوراة وألواحها، وقد سلف ذلك، أي: كتبه عليَّ قبل خلقي بأربعين سنة، ولا يجوز أن يراد به حقيقة القدر، فإن علم الله قد تم على عباده وأراده من خلقه لا أول له. فإن قلت: فما المعنى بالتحديد المذكور في المكتوب، وفي الحديث: "إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة" (?).

قلت: كما أجاب عنه ابن الجوزي أن المعلومات كلها قد أحاط بها العلم القديم قبل وجود كل مخلوق؛ ولكنه كتبها في اللوح المحفوظ في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015