وَلَوْ فَقَأَ صَحِيحُ الْعَيْنَيْنِ عَيْنَ الأَعْوَرِ، فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ شَاءَ اقْتُصَّ أَوْ أَخَذَ دِيَتَهَا أَلْفَ دِينَارٍ مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ بهِ الْخُلَفَاءُ الأَرْبَعَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ...
تصوره ظاهر، واستشكل تخيير مالك هنا بين القصاص والدية مع أن مشهور مذهبه تحتم القصاص في العمد، وأجيب بأن الموجب للتخيير هو عدم المساواة؛ لأن عين المجني عليه ديتها ألف دينار بخلاف عين الجاني، فكان كمن كفه مقطوعة وقطع يد رجل من المرفق، ولم يرتض بعضهم هذا الجواب وجعل قولاً ثالثاً بالجراح بالتخيير من هنا، والأقرب هنا الفوات الأول، ولا حاجة إلى هذا الإلزام، فإنه قد نقل عن مالك قول بالتخيير صريح.
قوله: (وَقَالَ بهِ) أي: تكون ديته ألف دينار من ماله، ولم يرد أنهم قالوا بالتخيير.
فَلَوْ فَقَأَ الأَعْورُ مِنْ ذِي عَيْنَيْنِ مِثْلَهَا لَهُ؛ فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ أَوْ أَخَذَ أَلْفَ دِينَارٍ دِيَةَ مَا تَرَكَ وَإِلَيْهِ رَجَعَ. وَعَنْهُ: خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ. وَعَنْهُ: الْقِصَاصُ فَقَطْ ...
هذه عكس التي قبلها، ومعناها: إذا فقأ الأعور لصاحب عينين مثل العين الباقية له، في المسألة لمالك ثلاثة أقوال؛ الأول: للمجني عليه أن يقتص من عين الأعور وله أن يأخذ دية عينه خمسمائة دينار. الثاني وإليه رجع مالك: أنه يخير الجاني بين القصاص وبين دية عين الأعور ألف دينار، وهذان القولان في المدونة. والثالث رواه أشهب في الموازية: ليس إلا القصاص، واستشكل أيضاً قول مالك بالتخيير هنا كما استشكلوه في المسألة السابقة، وأجيب أنا إنما خيرنا الصحيح هنا لأنه إن قصد القصاص فهو له؛ لأن الفرض أن للأعور مثل ما فقأ، وإن قصد الدية فقد دعا إلى الصواب، ورد بأنه يلزم منه إجبار القاتل على الدية؛ لأن أولياء المقتول دعوا أيضاً إلى الصواب.