(وَيُخَلَّى) أي: المدعى فيه تحت يد المدعى عليه، وتبرأ منه بقوله: (قَالُوا) لإشكاله، وذلك لأن الحكم كما يتوقف على الشاهد الثاني فكذلك يتوقف على عدالة الشاهدين؛ فإما أن يباع ويوقف ثمنه فيهما، أو يخلى بينه وبين من هو بيده فيهما.
وأجاب صاحب النكت: بأن مقيم العدل قادر على إثبات حقه بيمينه، فلما ترك ذلك اختياراً صار كأنه مكنه منه بخلاف من أقام شاهدين أو شاهداً ووقف ذلك القاضي لينظر في تعديلهم لا حاجة عليه في ذلك؛ لعدم قدرته على إثبات حقه، وأشار المازري إلى فرق آخر وهو أن الشاهدين المجهولين أقوى من الواحد؛ لأن الواحد يعلم قطعاً الآن أنه غير مستقل، والشاهدان المجهولان إذا عدلا فإنما أفاد تعديلهما الكشف عن وصف كانا عليه حين الشهادة، ويحتمل أن وجه الإشكال الذي أراده ما ذكر ابن عبد السلام مقتصراً عليه فإنه قال: إنما تبرأ منه لأنهم مكنوا من الطعام من هو بيده بعد قيام شاهد ولم يمكنوه منه، بل يباع ويوقف ثمنه إن قام له شاهدان، والشاهد أضعف.
قال: فإن قلت: ولأجل أن الشاهد الواحد أضعف من الشاهدين أبقي الطعام بيد المدعي عليه؛ لأنه إذا ضعفت الدعوى لضعف الحجة ضعف بسبب ذلك أثرها، فإبقاء الطعام بيده ليس هو لما توهم من تقديم الأضعف على الأقوى، بل عين ترجيح الأقوى، وأجاب عن ذلك: بأنه لو كان صحيحاً للزم مثله فيما يخشى فساده أن يحلف من هو بيده ويترك له يفعل فيه ما أحب، قال: ويجاب عن أهل المذهب بأن ما يخشى فساده قد تعذر القضاء بعينه للمدعي لما يخشى عليه من الفساد قبل ثبوت الدعوى، فلم يبق إلا النزاع في ثمنه، فهو إذا كدين على من هو بيده فيمكن منه بعد أن يحلف؛ ليسقط حق المنازع في تعجيله له، ولا يلزم مثل ذلك فيما أقام عليه شاهدان؛ لأن حق المدعي فيه أقوى من حق المدعى عليه.