ابن عبد السلام: وقد أطلقوا القول برد هذه الشهادة مع أن الفقير لا يلزمه شيء، والمقدار الذي يلزم الغني يسير جداً على ما يتبين في موضعه، وقد تقدم حكم من شهد لنفسه في وصية أو غيرها، ورد بأن الكلام فيمن يلزمه أداؤها فلا يرد الفقير، وتهمة الدفع أقوى؛ لأن كثيراً من الناس لا يسهل عليه إخراج شيء وإن [669/ أ] قل.
وَكَشَهَادَةِ الْمِدْيَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ
هذا هو المثال الثاني: والمديان بكسر الميم وتخفيف الدال: الذي عليه الدين.
احترز بالمعسر مما لو كان موسراً فإنه تجوز شهادته، قاله ابن القاسم وأشهب ومطرف وابن الماجشون.
والضمير في: (لِرَبِّهِ) عائد على الدين المفهوم من المديان، وعلله مطرف بأنه كالأسير في يده، وقيده الباجي: بأن يكون الدين حالاً أو قرب حلوله، وما إن كان بعيداً فيجيء على مذهب سحنون جواز الشهادة، وعلى قول ابن وهب ردها. وفسر الغني بأن لا يستضر بإزالة هذا المال عنه، وأما إن كان يستضر بأخذه منه فترد شهادته.
ابن زرقون: وتجوز شهادته فيما عدا المال- قاله مطرف- ولما يرجو أن يكافئه على ما شهد له به إما بصبر عليه أو بتخفيف عنه من دينه، فلا فرق بين المال وغيره من الحقوق، وربما كان غير المال أهم عند المشهود له من المال.
خليل: وينبغي أن يقيد العسر هنا بأن يكون إعساره ثابتاً عند الحاكم، والله أعلم.
وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ؛ لأَنَّهُ جَارُّ
معناه أن يشهد رب الدين لمديانه بمال فإن شهادته ترد؛ لأنه يتهم أن يكون شهد له به ليقضيه، وما قدرنا به المسألة بالمال هو كذلك في المازري وغيره، وكأن المصنف استغنى عن ذلك بقوله: (لأَنَّهُ جَارُّ) وهذا مذهب ابن القاسم، وأجازها أشهب وإن كان المديان