أشهد القاضي شاهدين على نفسه وحضر مجلسه اثنان غيرهما فهل لهذين الاثنين أن يشهدا بما أشهد به الأولان؟ في ذلك قولان، وفي هذه الصورة لم يقصد القاضي المسمع إلى الإشهاد بوجه، وإنما قصد إلى إعلام قاض آخر مشافهة ولم يتم الحكم بها؛ فتأمله.
وَلَوِ اقْتَصَرَ الأَوَّلُ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ وَجَبَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُنْهَىَ إِلَيْهِ الإِتْمَامُ مِنَ التَّعْدِيلِ وَالْحُكْمِ ..
أي: لو اقتصر القاضي الأول على سماع البينة في بلده ولم ينظر في عدالتها، فعلى القاضي الثاني النظر في عدالتها والحكم بمقتضاها، وإن ثبت عند الأول العدالة حكم الثاني، وليس قول القاضي: "ثبت عندي كذا" حكماً منه بمقتضى ما ثبت عنده فإن ذلك أعم منه، وإنما ذكرنا هذا لأن بعض القرويين غلط في ذلك، وألف المازري جزءاً في الرد عليه وجلب فيه نصوص المذهب.
وَأَمَّا الْكِتَابُ الْمُجَرَّدُ فَلا أَثَرَ لَهُ
أي: عند الإشهاد، وهذا راجع إلى قوله: (بِالإِشْهَادِ وَالْمُشَافَهَةُ).
قَالَ مَالِكُ: كَانَ مِنَ الأَمْرِ الْقَدِيمِ إِجَازَةُ الْخَوَاتِمِ حَتَّى حَدَثَ الاتِّهَامُ فَأُحْدِثَتِ الشَّهَادَةُ ..
هذا استدلال منه لما ذكر من أن الكتاب المجرد لا أثر له.
قوله: (عَلَى إِجَازَةُ الْخَوَاتِمِ) أي: ختم القاضي على كتابه.
ابن شعبان: وأول من أحدث الشهادة هارون الرشيد، وقيل: أبوه محمد المعروف بالمهدي.
وفي البخاري: إن أول من سأل البينة عن كتاب القاضي ابن أبي ليلى.