تنبيهان:
أولهما: ما ذكره من أنه إذا ذكر أن له حجة وتبين لدده يقضي القاضي عليه هو التعجيز، قال غير واحد: ويصح التعجيز في كل شيء إلا خمسة: العتق والطلاق والنسب والأحباس والدماء، وبه قال ابن القاسم وأشهب وابن وهب، وفيه خلاف.
ثانيهما: للموثقين في حد أجل الإعذار كلام؛ ففي وثائق ابن القاسم: الآجال تختلف باختلاف الشيء المدعى فيه، ففي ما عدا الأصول ثمانية أيام ثم ستة ثم أربعة ثم ثلاثة تلوماً، وفي الأصول الشهرين والثلاثة، لاسيما إذا ادعى مغيب البينة، وحينئذ يعجز، وفيه خلاف. وفي إثبات الديون ثلاثة أيام. وفي الإعذار في البينات وحل العقود ثلاثون يوماً. وللقاضي جمعها وتفريقها، وبتفريقها جرى العمل. وفي الوثائق المجموعة: يضرب في غير الأصول ثمانية أيام، ثم ستة، ثم أربعة، ثم ثلاثة؛ فيكون إحدى وعشرين يوماً. قال: وليس يضرب لمن ذهب إلى استدفاع يمين واجبة عليه مثل الآجال المذكورة، إنما يؤجل إذا زعم أن عنده ما يدفع اليمين الأجل القريب ثلاثة أيام ونحوها؛ لأن قوله هذا محمول على اللدد، وألآجال في الأصول أوسع من الديون والحقوق، وهي تختلف باختلاف أحوال المضروب.
وروى أشهب عن مالك في الرجل يدعى عليه في منزل بيده، ويأتي المدعي ببينة عدل فيقول المدعى عليه: "لي بينة" ويسأل التأجيل فيضرب له الأجل الواسع الشهر والشهرين والثلاثة، ويمضي الأجل ولا يحضر شيئاً، ويذكر غيبة شهوده وتفرقهم؛ هل ترى أن يضرب له أجلاً آخر أم يقضي عليه؟ فقال: أما الصادق المأمون الذي لا يتهم أن يدعي باطلاً فأرى أن يمد له في الأجل، وأما الذي يرى أنه يريد الإضرار بخصمه فلا أرى أن يمكن من ذلك الأمد القريب ثم يقضي عليه بما يرى. انتهى باختصار.