قال في المجموعة: وإن قال أحد الخصمين: أنا المدعي، وسكت الآخر فإن للقاضي أن يسأل المدعي عليه إذا سكت الآخر عن إنكار قوله أنه هو المدعي، قال: وأحب إلي ألا يسأله القاضي حتى يسلم له الآخر ذلك نطقا.

وَيَحْكُمُ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ: أَبَقِيَتْ لَكَ حُجَّةُ؟ فَيَقُولَ: "لا" فَإِنْ قَالَ: "نَعَمْ" أَنْظَرَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدَهُ، ثُمَّ هُوَ عَلَى حُجَّتِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ.

هذا هو الذي يسميه الفقهاء الإعذار؛ يعني: ويحكم القاضي بعد أن يسأل المدعى عليه أبقيت لك حجة؟ فيقول: لا، فقوله (فَيَقُولَ) منصوب بالعطف على (يَسْأَلَهُ) وكأن المصنف هرب بإفراد الضمير مما في المدونة من تثنيته؛ لأن فيها: وجه الحكم في القضاء إذا أدلى الخصمان بحجتهما ففهم القاضي عنهما وأراد أن يحكم بينهما أن يقول: أبقيت لكما حجة؟ فإن قالا: "لا" حكم بينهما، ثم لا تقبل منه حجة بعد إنفاذه. فاستشكل بأن الحجة إنما تطلب ممن توجه عليه الحكم، وهو المدعى عليه، ولهذا اختصر أبو محمد المدونة بإفراد الضمير، لكن الجواب عما في المدونة أن الحكم تارة يتوجه على الطالب وتارة على المطلوب؛ لأنه قد تقوى حجة المدعى عليه وتضعف حجة المدعي، فيتوجه الحكم عليه بالإبراء أو بغيره فلابد من الإعذار أيضاً، فلما كان مرة يعذر إلى هذا ومرة إلى هذا اختصر في الكلام وأتى بذلك في لفظ واحد، هكذا قال عياض وغيره.

وقوله: (فَإِنْ قَالَ: "نَعَمْ") أي: قال المدعى عليه: "نعم لي حجة" أنظره القاضي فضرب له أجلاً، فإن تبين لدده ففي الموازية: يضرب له أجلاً غير بعيد ثم ينفذ الحكم، ولو ادعى بينة بعيدة كما لو قال: "بينتي بالعراق أو بالمغرب" قضى عليه، ومتى حضرت بينته كان على حجته ويقوم بها عند هذا القاضي وعند غيره.

ابن يونس وغيره: وينبغي إذا ذكرأن له بينة بعيدة أن يكتب الحاكم في قضيته أنه ذكر أن له بينة بعيدة الغيبة ومتى حضر شهوده كان على حجته، وقاله بعض القرويين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015