خليل: وهو وإن كان كلاماً ظاهراً إلا أنه خلاف ما فهم اللخمي والمازري وغيرهما.

المازري: والأصل الأول؛ لأن الحاكم إذا كان باقياً على قضائه فله أن يقول الآن مستأنفاً لإيقاع الحكم: "أشهوا علي أني قضيت على هذا لهذا بكذا بعد أن استقصيت الواجب" ولا يمكن المحكوم عليه أن يتلقاه بالمدافعة، وكأن الذي في الجلاب بناه على حماية الذرائع ورأى أنه من باب حكم القاضي بعلمه.

فَلَوْ حَكَمَ بِأَمْرٍ وَنَسِيَ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ أَمْضَاهُ عَلَى الأَصَحِّ كَمَا يُمْضِيهِ غَيْرُهُ اتِّفَاقاً ..

قال القاضي عبد الوهاب: إذا وجد القاضي في ديوانه حكماً بخطه ولم يذكر أنه حكم به لم يعتمد على خطه؛ لاحتمال التزوير، ولو شهد به شاهدان عنده أمضاه على الأصح، وهو قول مالك، ومقابل الأصح لا يمضيه، وحكاه أبو عمر أيضاً رواية، وبمقابل الأصح قال أبو حنيفة والشافعي، واحتج للأصح بما أشار إليه المصنف أنه حكم شهد به شاهدان؛ فوجب على من رفع إليه من القضاة تنفيذه؛ أصله لو رفع إلى قاض غيره، وفرق بأن أحكام غيره لا يتوصل إلى معرفتها إلا بالنقل بخلاف أحكامه فإنه يعلمها من جهة نفسه، والغالب أنه يعلمها بحيث لم يعلم دل على ريبة فيمن نقله، وألغى هذا الفرق لأن الحاكم قد تكثر أحكامه فينسى فتدعو الضرورة إلى الرجوع فيها إلى الظن. واحتج لمقابل الأصح بالقياس على الشهادة، فإنه لو شهد عدلان بأن فلاناً شهد بكذا وأنكر فلان أو لم يذكر فإنه لا يعمل بشهادتهما، وفرق بأن الشاهد متعبد بأن لا يشهد إلا بما يعلم؛ لقوله تعالى: (وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا) [يوسف: 81] بخلاف الحاكم فإنه يبني على شهادة غيره، وهي إنما تفيد غالباً الظن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015