فيه القاضي يحتاج فيه إلى بينة، والبينة إنما تشهد بما رأته وشافهته، وذلك جزئي؛ فلهذا إذا فسخ نكاحاً بين زوجين بسبب أن [658/أ] أحدهما رضع من أم الآخر- مثلاً- وهو كبير فالفسخ ثابت لا ينقضه أحد، ولكنه إن تزوجها بعد ذلك فرفع أمرها إليه أو إلى غيره ممن ولي بعده لم يمنعه ذلك الفسخ أن يجتهد ويبيحها إذا أداه اجتهاده إلى أن رضاع الكبير لا ينشر الحرمة، وهكذا من تزوج امرأة في عدتها ورفع إلى مالكي يرى مع الفسخ تأبيد التحريم ففسخ النكاح فإن حكمه لا يتعدى الفسخ، وأما تحريمه في المستقبل فمعرض للاجتهاد كغيره، وله أن يبدل اجتهاده.
قوله: (وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) أي: وهذه المرأة التي تزوجها وقد رضع معها، أو في عدتها كامرأة أخرى تزوجها وقد رضع معها أو في عدتها، فذكر أن هذه التي لم يتقدم فيها حكم تكون معرضة للاجتهاد كالتي فيها الحكم.
وقوله: (كَمَا لَوْ فَسَخَ نِكَاحاً مَعَ بَيْعٍ أَوْ مَعَ إِجَارَةِ) أشار بهذا إلى أنه لا فرق بين أن يكون الخلاف خارج المذهب كما في الصورتين الأوليين، أو في المذهب كما في النكاح مع البيع أو الإجارة.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُ حُكْمِ نَفْسِهِ فِيمَا يَنْقُضُ فِيهِ حُكْمِ غَيْرِهِ، وَفِيمَا لَهُ فِيهِ رَايُ فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ سَهْواً ..
(فِيمَا يَنْقُضُ فِيهِ حُكْمِ غَيْرِهِ) يندرج فيه ما خالف القطع أو قامت البينة على أنه قصد الحكم بشيء فحكم بغيره سهواً.
وقوله: (وَفِيمَا لَهُ فِيهِ رَايُ) هذه صورة ثالثة يختص بها في قضاء نفسه، وهو أن يقصد الحكم باجتهاده أو بمذهبه فيحكم بغيره سهواً فإنه يتذكر ذلك وينقض حكمه الأول، ولا يتصور ذلك فيمن تقدمه؛ لأنه لا يطلع على غلط من تقدمه إلا بقيام البينة على ذلك.