المازري: والقول بنقض حكمه باستسعاء العبد بعيد؛ لأنه قد روى مسلم وغيره حديث الاستسعاء وكذلك الشفعة للجار مع ورود أحاديث تقتضيها.
وقوله: (أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةُ) أي: فينقض أيضاً، ومعناه: إذا حضرته البينةوعلمت قصده في الحكم وعدوله عنه على سبيل الخطأ، فإذا شهدت بذلك البينة عند الثاني نقضه، هكذا قال ابن محرز.
عياض: وكذلك عندي إذا كان الحاكم يلتزم مذهباً ويحكم بتقليده لا باجتهاده فحكم بحكم من يرى أن مذهبه وغلط فيه فله هو نقضه دون غيره.
وَأَمَّا الْجَاهِلِ فَيَتَعَقَّبُهَا، وَيُمْضِي مَا لَمْ يَكُنْ جَوْراً
هذا هو القسم الثاني؛ يعني: وأما أحكام العدل الجاهل فيتعقبها، أي: يتصفحها، ويمضي منها الذي لم يكن جوراً، وحكى المازري رواية شاذة أن الجاهل تنقض أحكاه وإن كان ظاهرها الصواب؛ لأنه وقع منه من غير قصد.
ابن عبد السلام: وقيد بعضهم ما ذكره المصنف بما إذا كان يشاور أهل العلم في أحكامه، وأما إذا كان لا يشاورهم فتنقض كلها؛ لأنه حكم حينئذ بالحدس والتخمين، وهو صحيح. انتهى.
وقال اللخمي: تتعقب أحكام العدل الجاهل، إلا أن يعلم أنه لا يحكم إلا بعد مشاورة أهل العلم، ورأى إذا كان يحكم من غير مطالعة أهل العلم أن يرد من أحكامه ما كان مختلفاً فيه؛ لأن ذلك كان منه تخميناً وحدساً، والقضاء بذلك باطل.
وَتُنْبَذُ أَحْكَامُ الْجَائِرِ وَقَالَ أَصْبَغُ: هُوَ كَالْجَاهِلِ
هذا هو القسم الثالث: ومعنى (تُنْبَذُ) أي: تطرح كلها، وقد تقدم قول أصبغ أول الباب حيث قال: (وَقَالَ أَصْبَغُ: الْعَدْلُ مِنَ الثَّانِي) يريد: كان عالماً أو جاهلاً.