قوله: (وَقِيلَ: إِلا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ بَعِيداً جِدّاً فَلا يَرْجِعُ) حاصله أن من ركب كثيراً إن كان موضعه قريباً كالمدينة ونحوها رجع ثانياً باتفاق، وإن كان بعيداً فالمشهور الرجوع، وقيل: لا يرجع. وظاهر كلامه أن الخلاف موجود في البعد مطلقاً. وفي اللخمي والبيان: واختلف إذا كان بعيداً مثل مصر ونحوها. وظاهر المذهب الرجوع.
ابن عبد السلام: والقول بعدم الرجوع لمالك في كتاب ابن مزين، وأما إن كان بعيداً كإفريقية والأندلس فلا يختلف في عدم رجوعه. ابن رشد: لأن روعه ثانية من إفريقية أشق من رجوعه ثالثة من المدينة؛ أي: والرجوع ثالثة ساقط باتفاق كما أشار إليه المصنف بقوله: (فَإِنْ عَجَزَ ثَانِياً لَمْ يَرْجِعْ). واستحسن اللخمي وغيره ما في كتاب ابن مزين، وهو الذي تميل إليه النفس؛ إذ المشي في نفسه ليس بعبادة، وإنما وسيلة، والمقصد الحج أو العمرة وقد أتى به، والقاعدة أن الوسيلة تبع [253/أ] فإذا أتى بالمقصد فلا اعتبار بالتبع، وعلى هذا كيف يؤمر بالرجوع؟ وأيضاً فإنا إنما ألزمنا الناذر المشي إما لأن نذره اقتضى التزام أحدهما، وإما لأن نذره اقتضى دخول مكة، وهو لا يدخلها إلا بأحد النسكين، وعلى كل تقدير فقد أتى بما التزمه.
تنبيهات:
الأول:
إنما يؤمر بالرجوع من كان حين اليمين يظن أنه يمشي جميع الطريق وعجز، وأما لو علم من نفسه أنه لا يطيق ذلك، إما لكبر أو لضعف جسم، أو نوى أنه لا يمشي إلا ما يطيقه ولو كان شابّاً فلا شيء عليه ولا هدي ولا رجوع، وفي المدونة: ولو علم حين أول خروجه أنه لا يقدر أن يمشي كل الطريق في ترداده إلى مكة مرتين، أو كان شيخاً زَمِناً، أو امرأة ضعيفة، أو مريضاً آيساً من البرء، فلابد أن يخرج أول مرة ولو كان راكباً، ويمشي ولو نصف ميل، ثم يركب بعد ذلك ويهدي.