التَّعْلِيْقُ: هَذَا البَيْتُ فِيْهِ غُلُوٌّ شَدِيْدٌ - لَا سِيَّمَا مَعَ (مِنْ) التَّبْعِيْضِيَّةِ هَذِهِ!! -، بَلْ كُفْرٌ بِالرُّبُوْبِيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ:
أ) أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ رِزْقَ العِبَادِ فِي أَيْدِي النَّاسِ اسْتِقْلَالًا، وَلَمْ يَجْعَلْ طَلَبَ الرِّزْقِ إِلَّا مِنْهُ تَعَالَى حَصْرًا، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِيْنَ تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ لَا يَمْلِكُوْنَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوْهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ} (العَنْكَبُوْت:17).
ب) أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ مِلْكٌ لَهُ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالأُوْلَى} (اللَّيْل:13)،
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى أَيْضًا {قُلْ لَا أَقُوْلُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا أَقُوْلُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} (الأَنْعَام:50) (?)، فَظَهَرَ بِذَلِكَ كَذِبُ قَوْلِهِ (فَإِنَّ مِنْ جُوْدِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا).
ج) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ مِنْ عِنْدَ نَفْسِهِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (مَا أُعْطِيْكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ؛ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ؛ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ) (?)، فَبَطَلَ بِذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِهِ صَلَوَاتُ اللهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الأَسْبَابِ أَيْضًا.
د) مَنْ زَعَمَ أَنَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ خُلِقَتَا لِأَجْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَهُوَ يَجُوْدُ بِهَا عَلَى مَنْ أَرَادَ! فَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا، وَفِيْهِ حَدِيْثٌ مَوْضُوْعٌ (?)، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ أَعْلَمَنَا بِالحِكْمَةِ مِنْ خَلْقِهِمَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِيْ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيْعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمٌ} (البَقَرَة:29)،
وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَهُوَ الَّذِيْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (هُوْد:7).
هـ) وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ مِنْ عِلْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِلْمُ اللَّوْحِ المَحْفُوْظِ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَى الشَّرِيْعَةِ، فَاللهُ تَعَالَى يَقُوْلُ عَنْ نَبِيِّهِ: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ} (الأَعْرَاف:188).
تَمَّ إِلَى هُنَا التَّعْلِيْقُ عَلَى نُبْذَةٍ مِنْ أَبْيَاتِ البُوْصِيْرِي؛ بِمَا يُحَقِّقُ المَطْلُوْبَ، وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوْفِيْقِهِ.