- اللهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهَذَا العُمُوْمُ لَا مُخَصِّصَ لَهُ، حَتَّى فِعْلَ المَخْلُوْقِ مَخْلُوْقٌ للهِ تَعَالَى; لِأَنّ فِعْلَ المَخْلُوْقِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، وَهُو وَصِفَاتُهُ مَخْلُوْقَانِ، وَلِأَنَّ فِعْلَهُ نَاتِجٌ عَنْ إِرَادَةٍ وَقُدْرَةٍ، وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ خَلَقَ فِي الإِنْسَانِ الإِرَادَةَ الجَازِمَةَ وَالقُدْرَةَ التَّامَّةَ.
فَفِعْلُ العَبْدِ مُرْتَبِطٌ بِشَيْئَيْنِ:
1) خَلْقٌ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِاللهِ تَعَالَى.
2) مُبَاشَرَةٌ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالعَبْدِ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُوْنَ} (الوَاقِعَة:24)، وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا {ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ} (النَّحْل:32)، وَلَوْلَا نِسْبَةُ الفِعْلِ إِلَى العَبْدِ مَا كَانَ لِلثَّنَاءِ عَلَى المُؤْمِنِ المُطِيْعِ وَإِثَابَتِهِ وَجْهٌ وَلَا فَائِدَةٌ، وَكَذَلِكَ عُقُوْبَةُ العَاصِي وَتَوْبِيْخُهُ.
- فَائِدَة 1) لَا يَجُوْزُ الخَوْضُ فِي مَسَائِلِ القَدَرِ إِلَّا بِقَدْرِ ذِكْرِ مَا جَاءَ فِيْهَا مِنَ الشَّرْعِ - وَلَوْ حَسُنَتْ نِيَّةُ الخَائِضِ -؛ فَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيْثِ النَّهْيُ عَنِ التَّوَسُّعِ والتَّعَمُّقِ فِيْهِ (?)، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُوْمُ فأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ القَدَرُ فأمْسِكُوا). (?)
- فَائِدَة 2) قُلْتُ: القَدَرُ أَصْلًا الكَلَامُ فِيْهِ بِغَيْرِ مَا أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ هُوَ مَوْضُعِ امْتِحَانٍ، وَذَلِكَ لِحَدِيْثِ (إِذَا ذُكِرَ القَدَرُ فأمْسِكُوا)، وَلِحَدِيْثِ الإِيْمَانِ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَلِحَدِيْثِ (القَدَرِيَّةُ مَجُوْسُ هَذِهِ الأُمَّةِ) (?)، وَلِحَدِيْثُ اسْتِشْكَالِ الأَعْرَابِيِّ بِقَوْلِهِ (فَفِيْمَ العَمَلُ). (?)
فَكُلُّ ذَلِكَ صَرِيْحٌ فِي أَنَّ القَدَرَ أَصْلُ عَرْضِهِ مُشْكِلٌ لِلبَشَرِ فِي عُقُوْلِهِم، لِذَلِكَ كَانَ المَطْلُوبُ هُوَ التَّسْلِيْمَ بِهِ وُفْقَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّرِيْعَةُ.
- فَائِدَة 3) لَقَدْ جَاءَ الإِرْشَادُ النَّبَوُيُّ فِيْمَا يَتَعَلَّقُ بِالقَدَرِ عَلَى عِدَّةِ جَوَانِبَ مَأْمُوْرٍ بِهَا، وَهِيَ وَاجِبُنَا فِي مَسَائِلِ القَدَرِ:
1) الأَمْرُ بِإِثْبَاتِ القَدَرِ؛ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
2) عَدَمُ التَّعَمُّقِ فِيْهِ، وَتَرْكُ الخَوْضَ فِيْمَا لَا يَشْهَدُ لَهُ النَّصُّ. (?)
3) الأَمْرُ بِالعَمَلِ وَعَدَمِ الاتِّكَالِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي القَدَرِ.
4) جَعْلُ دُخُوْلِ الجَنَّةِ مُرَتَّبًا عَلَى العَمَلِ.
5) جَعْلُ الاحْتِجَاجِ بِالقَدَرِ عَلَى المَعْصِيَةِ هُوَ قَوْلَ الكُفَّارِ.
6) جَوَازُ الاحْتِجَاجِ بِالقَدَرِ عَلَى المَصَائِبِ كَمَا فِي سُوْرَةِ التَّغَابُنِ وَسُوْرَةِ الحَدِيْدِ (?)، وَكَمَا فِي حَدِيْثِ (وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ). (?)
- فَائِدَة 4) فِي الحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعًا (كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ؛ حَتَّى العَجْزِ وَالكَيْسِ) (?)، وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُلَامُ العَاجِزُ، وَإِنَّمَا المُقَصِّرُ.
بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ لِهُ طَاقَتُهُ وَقُدْرَتُهُ الَّتِي تُنَاسِبُهُ، فَمَنْ رَامَ تَكْلِيْفَهُ مَا لَا يُطِيْقُ - وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يُطِيْقُهُ - فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ وَقَصُرَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُلَامُ، وَإِنَّمَا يُلَامُ الَّذِي كَلَّفَهُ أَكْثَرَ مِنْ طَاقَتِهِ، وَمَفَادُ ذَلِكَ أَنَّ العَجْزَ وَالضَّعْفَ كَمَا أَنَّهُ يَكُوْنُ فِي الخَلْقِ وَالقُوَّةِ وَالطُّوْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ فَهُوَ أَيْضًا يَكُوْنُ فِي الفِكْرِ وَالنَّظَرِ وَالحِفْظِ وَالاجْتِهَادِ، وَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّنَا حَيْثُ قَالَ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البَقَرَة:286).