حَيثُ ادَّعَى المُخَالِفُوْنَ أَنَّ التَّوَسُّل بِذَوَاتِ الصَّالِحِيْنَ وَأَقْدَارِهِم أَمْرٌ مَطْلُوْبٌ وَجَائِزٌ، لِأَنَّ أَحَدَنَا إِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ عِنْدَ مَلِكٍ أَوْ وَزِيْرٍ أَوْ مَسْؤُوْلٍ كَبِيْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مُبَاشَرَةً لِأَنَّهُ يَشْعُرُ أَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيهِ - هَذَا إِذَا لَمْ يَرُدَّهُ أَصْلًا - لِذَلِكَ كَانَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ إِذَا أَرَدْنَا حَاجَةً مِنْ مِثْلِهِ؛ فَإِنَّنَا نَبْحَثُ عَمَّنْ يَعْرِفُهُ، وَيَكُوْنُ مُقَرَّبًا إِلَيْهِ، وَنَجْعَلُهُ وَاسِطَةً بَينَنَا وَبَينَهُ، فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ اسْتَجَابَ لَنَا، وَقُضِيَتْ حَاجَتُنَا، وَهَكَذَا الأَمْرُ نَفْسُهُ فِي عَلَاقَتَنِا بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِزَعْمِهِم -!!!
وَالجَوَابُ (?): أَنَّ هَذَا التَّعْلِيْلَ عَلِيْلٌ، وَهُوَ مِنَ المُنْكَرِ العَظِيْمِ (?)، وَذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ:
أ) أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ بَصِيْرٌ؛ لَيْسَ كَآحَادِ خَلْقِهِ - سُبْحَانَهُ -، فَالمُلُوْكُ وَأَشْبَاهُهُم يَحْتَاجُوْنَ إِلَى مَنْ يُبَلِّغُهُم أَحْوَالَ الفُقَرَاءِ وَالمُسْتَضْعَفِيْنَ، فَهَذَا مِنْ قِيَاسِ الخَالِقِ عَلَى المَخْلُوْقِ - تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُوْلُهُ الظَّالِمُوْنَ -. (?)
ب) أَنَّ اللهَ تَعَالَى رَحْمَنُ رَحِيْمٌ رَؤُوْفٌ؛ لَيْسَ كَآحَادِ خَلْقِهِ - سُبْحَانَهُ -، فَالخَلْقُ رَحْمَتُهُم تُنَاسِبُ قَدْرَهُم، فَهيَ لَا تَسَعُ جَمِيْعَ الخَلْقِ، وَأَمَّا اللهُ تَعَالَى فَرَحْمَتُهُ وَاسِعَةٌ؛ فَلَا يَحْتَاجُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ اسْمُ مَنْ تُسْتَجْلَبُ بِهِ الرَّحْمَةُ إِلَى الخَلْقِ (?)؛ بِخِلَافِ مُلُوْكِ الدُّنْيَا، فَهَذَا مِنْ قِيَاسِ الخَالِقِ عَلَى المَخْلُوْقِ.
ج) أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ شِرْكَ المُشْرِكِيْنَ كَانَ بِاتِّخَاذِ الشُّفَعَاءِ مِنَ الصَّالِحِيْنَ بَيْنَهُم وَبَينَ اللهِ تَعَالَى، وَفَتْحُ بَابِ التَّوَسُّل بِذَوَاتِ الصَّالِحِيْنَ قَدْ يُفْضِي إَلَى ذَلِكَ (?)، قَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُوْلُوْنَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُوْنَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} (يُوْنُس:18).
وقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيْعُوْنَ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ} (النَّحْل:74). (?)
ء) أَنَّ صَلَاحَ الصَّالِحِيْنَ هُوَ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِهِم وَحْدَهُم، فَكَيفَ يَتَوَسَّلُ - المُجِيْزُوْنَ - بِعَمَلٍ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِم؟ فَإِنَّمَا صَلَاحُ الصَّالِحِيْنَ رَاجِعٌ إِلَيْهِم، بِخِلَافِ التَّوَسُّلِ المَشْرُوْعِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا سَبَقَ. (?)
وَفِي الصَّحِيْحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ: سَلِيْنِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا). (?) (?)