8) أَثَرُ الاسْتِسْقَاءِ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ:
قَالَ الحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (?) مَا نَصُّهُ: (وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ مَالِكِ الدَّارِ - وَكَانَ خَازِنُ عُمَرَ - قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، فَأَتَى الرَّجُلَ فِي المَنَامِ فَقِيْلَ لَهُ: (ائْتِ عُمَرَ) الحَدِيْثَ (?)، وَقَدْ رَوَى سَيْفٌ فِي الفُتُوْحِ أَنَّ الَّذِيْ رَأَى المَنَامَ المَذْكُوْرَ هُوَ بِلَالُ بْنُ الحَارِثِ المُزَنِيُّ أَحَدُ الصَّحَابَةِ).
وَالجَوَابُ عَلَيْهِ هُوَ مِنْ وُجُوْهٍ:
أ) مَالِكُ الدَّارِ هَذَا غَيْرُ معْرُوْفِ العَدَالَةِ وَالضَّبْطِ، وَأَمَّا قَوْلُ الحَافِظِ رَحِمَهُ اللهُ (بِإسْنَادٍ صَحِيْحٍ) فَهوَ إِلَى مَالِكِ الدَّارِ، وَأَمَّا مَالِكُ نَفْسُهُ فَهوَ مَجْهُوْلٌ. (?)
ب) أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ مِنْ اسْتِحْبَابِ إِقَامَةِ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ لِاسْتِنْزَالِ الغَيْثِ مِنَ السَّمَاءِ.
ج) أَنَّ القِصَّةَ لَو صَحَّتْ - جَدَلًا - فَلَا حُجَّةَ فِيْهَا؛ لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى رَجُلٍ لَم يُسَمَّ، فَهُوَ مَجْهُوْلٌ أَيْضًا، وَتَسْمِيَتُهُ بِلَالًا (بْنَ الحَارِثِ المُزَنِيَّ) فِي رِوَايَةِ سَيْفٍ لَا تُسَاوِي شَيْئًا، لِأَنَّ سَيْفًا هَذَا - وَهُوَ ابْنَ عُمَرَ التَّمِيْمِيَّ - مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ. (?)
ء) أَنَّ هَذَا الأَثَرَ لَيْسَ فِيْهِ التَّوَسُّلُ - مَوْضُوْعُ البَحْثِ - وَإِنَّمَا فِيْهِ الطَّلَبُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَهَذَا بَحْثٌ آخَرٌ، يَكْفِيْنَا القَوْلُ فِيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَدْعُ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِيْنَ} (يُوْنُس:106).
9) حَدِيْثُ الكُوَّةِ فَوْقَ القَبْرِ (?):
رَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ؛ حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بْنُ زَيدٍ؛ حَدَّثَنَا عَمْرو بْنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ؛ حَدَّثَنَا أَبُو الجَوزَاءِ - أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - قَالَ: قَحَطَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ قَحْطًا شَدِيْدًا فَشَكَوا إِلَى عَائِشَةَ؛ فَقَالَتْ: انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْعَلُوا مِنْهُ كُوًّا إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لَا يَكُوْنَ بَينَهُ وَبَينَ السَّمَاءِ سَقْفٌ، قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَرًا حَتَّى نَبَتَ العُشْبُ وَسَمِنَتِ الإِبِلُ حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ، فَسُمِّيَ عَامَ الفَتْقِ. (?)
وَالجَوَابُ من أَوْجُهٍ:
1) أَنَّ الحَدِيْثَ ضَعِيْفٌ لَا تَقُوْمُ بِهِ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، بِسَبَبِ أُمُوْرٍ:
أَوَّلُهَا: أَنَّ سَعِيْدًا بْنَ زَيدٍ فِيْهِ ضَعْفٌ، قَالَ فِيْهِ الحَافِظُ فِي كِتَابِهِ (التَّقرِيْبُ): (صَدُوْقٌ لَهُ أَوْهَامٌ). (?)
وَثَانِيْهَا: أَنَّ أبَا النُّعْمَانِ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ؛ يُعْرَفُ بِعَارِمٍ وَهوَ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَقَد اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. (?)
2) أَنَّهُ مَوْقُوْفٌ عَلَى عَائِشَةَ وَلَيْسَ بِمَرْفُوْعٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَو صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيْهِ حُجَّةٌ لِأَنَّه يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ قَبِيْلِ الآرَاءِ الاجْتِهَادِيَّةِ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ مِمَّا يُخْطِئُوْنَ فِيْهِ وَيُصِيْبُوْنَ، وَلَسْنَا مُلْزَمِيْنَ بِالعَمَلِ بِهَا إِذَا لَمْ تُوَافِقِ السُّنَّةَ.
3) مِمَّا يُبَيّنُ كَذِبَ هَذهِ الرِّوَايَةِ أَنَّه فِي مُدَّةِ حَيَاةِ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ لِلبَيْتِ كُوَّةٌ، بَلْ كَانَ بَاقِيًا كَمَا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بَعْضُهُ مَسْقُوفٌ وَبَعْضُهُ مَكْشُوفٌ، وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَنْزِلُ فِيْهِ (?)، وَلَم تَزَلْ الحُجْرَةُ كَذَلِكَ حَتَّى زَادَ الوَلِيْدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ فِي المَسْجِدِ فِي إِمَارَتِهِ لَمَّا أَدْخَلَ الحُجَرَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ حِيْنِئِذٍ دَخَلَتْ الحُجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ إِنَّه بَنَى حَوْلَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ الَّتِيْ فِيْهَا القَبْرُ جِدَارًا عَالِيًا، وَبَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَتِ الكُوَّةُ لِيَنْزِلَ مِنْهَا مَنْ يَنْزِلُ إِذَا احْتِيْجَ إِلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ كَنْسٍ أَوْ تَنْظِيْفٍ. (?)