3) التَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِدُعَاءِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ: كَأَنْ يَكُوْنَ المُسْلِمُ فِي ضِيْقٍ شَدِيْدٍ، أَوْ تَحِلَّ بِهِ مُصِيْبَةٌ كَبِيْرَةٌ - وَيَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ التَّفْرِيْطَ فِي جَنْبِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى -؛ فَيَأْخُذَ بِسَبَبٍ قَوِيٍّ إِلَى اللهِ، فَيَذْهَبَ إِلَى رَجُلٍ يَعْتَقِدُ فِيْهِ الصَّلَاحَ وَالتَّقْوَى أَوِ الفَضْلَ وَالعِلْمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَيَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ رَبَّهُ، لِيُفَرِّجَ عَنْهُ كَرْبَهُ، وَيُزِيْلَ عَنْهُ هَمَّهُ.
وَقَد وَرَدَتْ أَمْثِلَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ، كَمَا وَقَعَتْ نَمَاذِجُ مِنْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِم، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: (أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ؛ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَالُ فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ - وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً - فَوَ الَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الغَدِ وَبَعْدَ الغَدِ وَالَّذِيْ يَلِيْهِ حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ - أَوْ قَالَ غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا) فَمَا يُشِيْرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ وَصَارَتْ المَدِيْنَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ، وَسَالَ الوَادِي - قَنَاةُ - شَهْرًا وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالجَوْدِ). (?)
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضًا (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ). (?)
وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ (إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَ (إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا)؛ أَنَّنَا كُنَّا نَقْصِدُ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَنَا؛ وَنَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِدُعَائِهِ، وَالآنَ - وَقَد انْتَقَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّفِيْقِ الأَعْلَى، وَلَم يَعُدْ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَدْعُوَ لَنَا - فَإِنَّنَا نَتَوَجَّهُ إِلَى عَمِّ نَبِيِّنَا العَبَّاسِ؛ وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَنَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُم كَانُوا يَقُوْلُوْنَ فِي دُعَائِهِم: (اللَّهُمَّ بِجَاهِ نَبِيِّكَ اسْقِنَا)، ثُمَّ أَصْبَحُوا يَقُوْلُوْنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ بِجَاهِ العَبَّاسِ اسْقِنَا)!! لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا دُعَاءٌ مُبْتَدَعٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَلَم يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِم. (?)