- قَوْلُهُ {وَمَنْ أَحْسَنُ} هُوَ من بَابِ اسْتِعْمَالِ أَفْعُلِ التَّفْضِيْلِ فِيْمَا لَيْسَ لَهُ فِي الطَّرَفِ الآخَرِ مُشَارِكٌ.

- فِي النُّصُوْصِ السَّابِقَةِ بَيَانُ وُجُوْبِ تَحْكِيْمِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأُمُوْرِ كَافَّةٍ، وَإِنَّ مَنَاهِجَ الجَمَاعَاتِ الدَّعَوِيَّةِ هِيَ مِنْ هَذَا البَابِ أَيْضًا؛ فَيَجِبُ أَنْ نُحَكِّمَ فِيْهَا كِتَابَ اللهِ وُسنَّةَ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا كَانَ مِنْهَا مُتَمَشِّيًا مَعَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مَنْهَجٌ صَحِيْحٌ يَجِبُ السَّيْرُ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَيَجِبُ أَنْ نَرْفُضَهُ وَأَنْ نَبْتَعِدَ عَنْهُ، وَلَا يَجُوْزُ التَّعَصُّبُ لِجَمَاعَةٍ أَوْ لِحِزْبٍ أَوْ لِمَنْهَجٍ دَعَوِيٍّ عَلَى حِسَابِ تَجَاوُزِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

فَالَّذِيْ يَقْصُرُ هَذَا التَّحَاكُمَ عَلَى المَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَطْ فَهُوَ مُخْطِئٌ، لِأَنَّ المُرَادَ التَّحَاكُمُ فِي جَمِيْعِ الأُمُوْرِ وَجَمِيْعِ المُنَازَعَاتِ وَالخُصُوْمَاتِ وَالحُقُوْقِ المَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحَتَّى فِي أَقْوَالِ المُجْتَهِدِيْنَ وَالفُقَهَاءِ وَالمَنَاهِجِ الدَّعَوِيَّةِ وَالمَنَاهِجِ الجَمَاعِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوْلُ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ} (الشُّوْرَى:10) وَ {شَيْءٍ} نَكِرةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كُلَّ نِزَاعٍ وكُلَّ خِلَافٍ. (?)

- سَبَبُ نُزُوْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُوْنَ حَتَّى يُحَكِّمُوْكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا} (النِّسَاء:65) هُوَ مَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ (?) الَّتِيْ يُسْقَوْنَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحْ المَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: (اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ المَاءَ إِلَى جَارِكَ)، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: (اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ) (?)، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُوْنَ حَتَّى يُحَكِّمُوْكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}). (?)

- قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُحَكِّمُوْكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا}: (فَالتَّحْكِيْمُ فِي مَقَامِ الإِسْلَامِ، وَانْتِفَاءُ الحَرَجِ فِي مَقَامِ الإِيْمَانِ، وَالتَّسْلِيْمُ فِي مَقَامِ الإِحْسَانِ. فَمَنِ اسْتَكْمَلَ هَذِهِ المَرَاتِبَ وَكَمَّلَهَا؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ مَرَاتِبَ الدِّيْنِ كُلِّهَا.

فَمَنْ تَرَكَ هَذَا التَّحْكِيْمَ المَذْكُوْرَ غَيْرَ مُلْتَزِمٍ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ تَرَكَهُ - مَعَ التِزَامِهِ - فَلَهُ حُكْمُ أَمْثَالِهِ مِنَ العَاصِيْنَ). (?)

- قَوْلُهُ (حَتَّى يَكُوْنَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ): الهَوَى بِالقَصْرِ هُوَ: المَيْلُ، وَبِالمَدِّ هُوَ: الرِّيْحُ، وَالمُرَادُ الأَوَّلُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015