- قَوْلُهُ تَعَالَى {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ}: تَهْدِيْدٌ وَوَعِيْدٌ وَذَمٌّ لِمَنْ قَدَّمَ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى؛ فَكَيْفَ بِمَنْ قَدَّمَ أَحَدَهَا فَقَط.
وَفِيْهِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ لَا يَكُوْنُ كَافِرًا خَارِجًا مِنَ المِلَّةِ كَحَالِ أَصْحَابِ القِسْمِ الأَوَّلِ (أَصْحَابِ مَحَبَّةِ العُبوْدِيَّةِ)، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيْثُ البُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا؛ وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ). فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ - وَاللَّهِ - لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الآنَ يَا عُمَرُ)). (?) (?)
- قَوْلُهُ (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ): فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَدْ فَاتَهُ الكَمَالُ الوَاجِبُ - الَّذِيْ يَأْثَمُ تَارِكُهُ -.
وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الكَمَالِ المُسْتَحَبِّ - الَّذِيْ مَنْ فَاتَهُ؛ فَإِنَّه لَا يَأْثَمُ صَاحِبُهُ -، وَإِنَّ جَمِيْعَ المَعَاصِي نَاشِئَةٌ عَنْ تَقْدِيْمِ هَوَى النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (?)
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ (?): (فَمَنْ قَالَ: إنَّ المَنْفِيَّ هُوَ الكَمَالُ؛ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ الوَاجِبِ - الَّذِيْ يُذَمُّ تَارِكُهُ وَيَتَعَرَّضُ لِلْعُقُوْبَةِ -؛ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ المُسْتَحَبِّ؛ فَهَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فِي كَلَامِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَلَا يَجُوْزُ أَنْ يَقَعَ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ الوَاجِبَ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ وَاجِبِهِ شَيْئًا؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: مَا فَعَلَهُ لَا حَقِيْقَةً وَلَا مَجَازًا). (?)