- هَذِهِ الأَبْوَابُ القَادِمَةُ يَصْلُحُ تَسْمِيَتُهَا بِأَبْوَابِ العِبَادَاتِ القَلْبِيَّةِ، وَهَذِهِ العِبَادَاتُ عَلَى دَرَجَاتٍ، وَتَارِكُهَا وَاقِعٌ بَيْنَ تَرْكٍ لِأَصْلِ التَّوْحِيْدِ وَبَيْنَ تَرْكٍ لِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ الوَاجِبِ.
- المَحَبَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ أَسَاسِيَّيْنِ:
القِسْمُ الأَوَّلُ) مَحَبَّةٌ خَاصَّةٌ: وَهِيَ مَحَبَّةُ العُبُوْدِيَّةِ. وَهِيَ الَّتِيْ تُوْجِبُ التَذَلُّلَ وَالتَّعْظِيْمَ - وَهَذِهِ خَاصَّةٌ بِاللهِ تَعَالَى - فمَنْ أَحَبَّ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ مَحَبَّةَ عِبَادَةٍ، فَهُوَ مُشْرِكٌ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ، وَهَذِهِ المَحَبَّةُ مُنَافِيَةٌ لِأَصْلِ التَّوْحِيْدِ. (?)
القِسْمُ الثَّانِي) مَحَبَّةٌ عَامَّةٌ: وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَبَّةِ عُبُوديَّةٍ.
وَهِيَ أَنْوَاعٌ:
1) مَحَبَّةٌ للهِ وَفِي اللهِ، كَمَحَبَّةِ الرُّسُلِ وَالصَّالِحِيْنَ وَ .... ، أَوْ أَعْمَالٍ كَالصَّلَاَةِ وَالزَّكَاةِ وَ ....
وَهَذَا النَّوعُ مِنَ المَحَبَّةِ سَبَبُهُ مَحَبَّةُ اللهِ تَعَالَى؛ وَحَتَّى مَحَبَّةُ الرَّسُوْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَابِعَةٌ لِمَحَبَّةِ مُرْسِلِهِ، وَتُبْنَى عَلَى هَذِهِ المَحَبَّةِ الطَّاعَةُ، فمَنْ أَحَبَّ طَاعَةَ غَيْرِ اللهِ كَمَحَبَّةِ طَاعَةِ اللهِ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَهُوَ مُنَافٍ لِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ الوَاجِبِ، وَعَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يَتُوْبَ مِنْ ذَلِكَ وَيَرْجِعَ إِلَى تَكْمِيْلِ المَحَبَّةِ الوَاجِبَةِ، وَإِنَّ جَمِيْعَ المَعَاصِي تَنْشَأُ عَنْ تَقْدِيْمِ هَوَى النَّفْسِ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ. (?) (?)
2) مَحَبَّةُ إِشْفَاقٍ وَرَحْمَةٍ، وَذَلِكَ كَمَحَبَّةِ الأَوْلَادِ وَالصِّغَارِ وَالضُّعَفَاءِ وَالمَرْضَى.
3) مَحَبَّةُ إِجْلَالٍ وَتَعْظِيْمٍ وَتَوْقِيْرٍ، كَمَحَبَّةِ الإِنْسَانِ لِوَالِدِهِ وَلِمُعَلِّمِهِ.
4) مَحَبَّةُ طَبِيْعِيَّةٌ، كَمَحَبَّةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالمَلْبَسِ وَالمَرْكَبِ وَالمَسْكَنِ.
وَأَشْرَفُ هَذِهِ الأَنْوَاعِ النَّوْعُ الأَوَّلُ، وَالبَقِيَّةُ هُم مِنْ قِسْمِ المُبَاحِ؛ إِلَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا مَا يَقْتَضِي التَّعَبُّدَ فَتَصِيْرُ عِبَادَةً، فَالإِنْسَانُ يُحِبُّ وَالِدَهُ مَحَبَّةَ إِجْلَالٍ وَتَعْظِيْمٍ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهَا نِيَّةُ بِرِّ الوَالِدَيْنِ صَارَتْ عِبَادَةً، وَكَذَلِكَ المَحَبَّةُ الطَّبِيْعِيَّةُ - كَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالمَلْبَسِ وَالمَسْكَنِ - إِذَا قَصَدَ بِهَا الاسْتِعَانَةَ عَلَى عِبَادَةٍ صَارَتْ عِبَادَةً.
وَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى مَا نَوَى المُؤْمِنُ بِتَنَاوُلِ شَهَوَاتِهِ المُبَاحَةِ التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ؛ كَانَتْ شَهَوَاتُهُ لَهُ طَاعَةً يُثَابُ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأَقُوْمُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللهُ لِي؛ فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي) (?)؛ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْوِي بِنَوْمِهِ التَّقَوِّي عَلَى القِيَامِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَيَحْتَسِبُ ثَوَابَ نَوْمِهِ كَمَا يَحْتَسِبُ ثَوَابَ قِيَامِهِ. (?)
- قَوْلُهُ تَعَالَى {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ}: نَزَلَتْ فِيْمَنْ رَضِيَ بِالمُكْثِ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ - مَحَبَّةً لِهَذِهِ الأَشْيَاءِ وَإِيْثَارًا لَهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ -.