- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَوْرَدَ بَعْضُهُم بَعْضَ الشُّبُهَاتِ فِي شَأْنِ قَاتِلِ النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ (?)؛ مِنْهَا:

الشبهة الأولى) أنه خالد في النار

- الشُّبْهَةُ الأُوْلَى) أَنَّهُ خَالِدٌ فِي النَّارِ - وَهُوَ كَافِرٌ تَبَعًا لِذَلِكَ -، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيْهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيْمًا} (النِّسَاء:93) (?)؟

وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ (?):

أ) أَنَّ المُرَادَ بِالخُلُوْدِ هُوَ لِمُسْتَحِلِّ ذَلِكَ، وَالمُسْتَحِلُّ كَافِرٌ إِجْمَاعًا؛ وَتَبَعًا لِذَلِكَ هُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (مُتَعَمِّدًا): (أَيْ: مُسْتَحِلًّا لِقَتْلِهِ). (?) (?)

ب) أَنَّ الجَزاءَ فِي الآيَاتِ لَيْسَ المَقْصُوْدُ وُقُوْعُهُ؛ وَإنَّمَا الإِخْبَارُ عَنِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ، فَهُوَ وَعِيْدٌ وَلَيْسَ بِوَعْدٍ. (?)

قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ (عَوْنُ المَعْبُوْدِ) (?): (جُمْهُوْرُ السَّلَفِ وَجَمِيْعُ أَهْلِ السُّنَّةِ حَمَلُوا مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى التَّغْلِيْظِ، وَصَحَّحُوا تَوْبَةَ القَاتِلِ كَغَيْرِهِ، وَقَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} أَيْ: إِنْ شَاءَ أَنْ يُجَازِيَهُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}). (?)

وَقَالَ أَبُو مِجْلَز: (هِيَ جَزَاؤُهُ؛ فَإِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ فَعَلَ). (?)

ج) أَنَّ هَذِهِ النُّصُوْصَ مَخَصُوْصَةٌ بِالنُّصُوْصِ الدَّالَّةِ عَلَى العَفْوِ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَبِالتَّوْبَةِ وَبِأَحَادِيْثِ الشَّفَاعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِخْرَاجِ المُوَحِّدَينَ مِنَ النَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيْمًا} (النِّسَاء:48).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ؛ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلَانِ الجنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيْلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوْبُ اللهُ عَلَى القَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (?)

وَالشَّاهِدُ مِنَ الحَدِيْثِ كَوْنُهُ نَفَعَهُ عَمَلُهُ الصَّالِحُ؛ فَتَجَاوَزَ اللهُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ القَتْلِ.

د) أَنَّ الخُلُوْدَ هُنَا لَيْسَ عَلَى بَابِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ طُوْلُ البَقَاءِ.

قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (?): (وَالخُلُودُ: البَقَاءُ، وَمِنْهُ جَنَّةُ الخُلْدِ. وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِيْمَا يَطُوْلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ: خَلَّدَ اللهُ مُلْكَهُ أَيْ: طَوَّلَهُ.

قَالَ زُهَيْرٌ: (أَلَا لَا أَرَى عَلَى الحَوَادِثِ بَاقِيًا ... وَلَا خَالِدًا إِلَّا الجِبَالَ الرَّوَاسِيَا)).

قُلْتُ: وَقَدْ عُلِمَ يَقِيْنًا زَوَالُ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْسِفُ الجِبَالَ فَلَا تَبْقَى. (?) (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015