- المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) هَلْ يُفَرَّقُ - مِنْ جِهَةِ النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ - بَيْنَ كَوْنِ القَبْرِ فِي قِبْلَةِ المُصَلِّي أَمْ لَا؟

الجَوَابُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ، بَلْ تَزْدَادُ الكَرَاهَةُ. (?)

خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الأَفَاضِلِ (?)؛ حَيْثُ أَجَازَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فِيْهِ قَبْرٌ - إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ - بِشَرْطِ أَنْ يَكُوْنَ القَبْرُ طَارِئًا عَلَى المَسْجِدِ دُوْنَ العَكْسِ، وَوَجْهُ التَّفْرِيْقِ أَنَّ الأَوَّلَ مَخْصُوْصٌ بِالحَدِيْثِ (لَا تُصَلُّوا إِلَى قَبْرٍ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَى قَبْرٍ) (?)، بِمَعْنَى أَنَّ النَّهْيَ هُوَ عَنِ الاسْتِقْبَالِ فَقَط، وَأَمَّا النَّهْيُ فِي حَالَةِ أَنْ يَكُوْنَ المَسْجِدُ طَارِئًا عَلَى القَبْرِ؛ هُوَ لِكَوْنِهِ صَارَ كَمَسْجِدِ الضِّرَارِ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى فِيْهِ: {لَا تَقُمْ فِيْهِ أَبَدًا} (التَّوْبَة:108)!

وَالجَوَابُ عَلَى مَا سَبَقَ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ القَبْرِ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ أَمْ لَا، وَذَلِكَ بِسَبَبِ:

أ- عُمُوْمِ النَّهْي دُوْنَ مُخَصِّصٍ، كَمَا سَبَقَ فِي الحَدِيْثِ (أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا القُبُوْرَ مَسَاجِدَ) (?)، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ - فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ - بَيْنَ كَوْنِ المَسْجِدِ هُوَ الطَّارِئُ عَلَى القَبْرِ أَمِ العَكْسُ.

ب- أَنَّ النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى القَبْرِ أَخَصُّ مِنَ عُمُوْمِ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي المَسَاجِدِ الَّتِيْ فِيْهَا القُبُوْرُ؛ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَكِنْ تَزْدَادُ الكَرَاهَةُ إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي المَسْجِدِ وَالقَبْرُ فِي قِبْلَتِهِ. (?)

ج- أَنَّ عِلَّةَ النَّهْي وَاحِدَةٌ فِي الحَالَتَيْنِ؛ وَهِيَ أَنَّهَا ذَرِيْعَةٌ إِلَى الشِّرْكِ.

د- أَنَّ الامْتِنَاعَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ الذِيْ بُنِيَ عَلَى قَبْرٍ - دُوْنَ العَكْسِ -؛ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ مِنْ جِهَةِ الوَاقِعِ وَالتَّطْبِيْقِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيْزُ أَيِّهِمَا طَرَأَ عَلَى الآخَرِ مِنْ قِبَلِ عَامَّةِ النَّاسِ - اللَّهُمَّ إِلَّا مَنْ شَهِدَ ذَلِكَ، أَوْ أُخْبِرَ بِهِ جَزْمًا -، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي رَدِّ ذَلِكَ التَّفْرِيْقِ. وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوْفِيْقِهِ.

وَأَمَّا جَعْلُ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيُ اللهُ عَنْهَا - لَمَّا وُسِّعَ المَسْجِدُ - مُثَلَّثَةَ الشَّكْلِ مُحَدَّدَةً؛ فَصَحِيْحٌ أَنَّهُ كَيْ لَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى جِهَةِ القَبْرِ مَعَ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ مُنْصَبٌّ فَقَط عَلَى اسْتِقْبَالِ القَبْرِ بِالصَّلَاةِ فَقَط، وَذَلِكَ لِأَنَّ المَسْجِدَ النَّبَوِيَّ لَهُ خُصُوْصِيَّةٌ مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ - كَمَا سَبَقَ - حَيْثُ فِيْهِ فَضِيْلَةُ الصَّلَاةِ، وَفِيْهِ كَوْنُ القَبْرِ مُحَاطًا بِالجُدْرَانِ غَيْرَ ظَاهِرٍ، فَصَارَتْ حَقِيْقَةُ الأَمْرِ هُوَ زِيَادَةُ الاحْتِيَاطِ - حَتَّى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ القَبْرَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ -، فَحَقِيْقَةُ تَثْلِيْثِ الجِدَارِ إِذًا هُوَ كَيْ لَا تَظْهَرَ صُوْرَةُ التَّقَصُّدِ لِلحُجْرَةِ الَّتِيْ فِيْهَا القَبْرُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلجُدْرَانِ الَّتِيْ أُقِيْمَتْ حَوْلَهُ أَصْلًا مَعْنَى؛ إِذَا كَانَ عَدَمُ الاسْتِقْبَالِ كَافِيًا فِي ذَلِكَ. وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوْفِيْقِهِ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015