- المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ) إِنَّ النُّصُوْصَ السَّابِقَةَ دَلَّتْ عَلَى التَّحْرِيْمِ، وَلَكِنْ حَمَلَهَا بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى الكَرَاهَةِ؛ كَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ حَيْثُ قَالَ: (وَأَكْرَهُ أَنْ يُعَظَّمَ مَخْلُوْقٌ حَتَّى يُجْعَلَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا؛ مَخَافَةَ الفِتْنَةِ عَلَيْهِ وَالضَّلَالِ وَعَلَى مَنْ بَعْدِهُ مِنَ النَّاسِ)؟ (?)

وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:

1) أَنَّ القَوْلَ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيْهِ عَلَى المَعْنَى الاصْطِلَاحِيِّ لِلكَرَاهَةِ - أَيْ: الَّذِيْ لَا يَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَيُثَابُ تَارِكُهُ للهِ! - غَيْرُ مُسْتَقِيْمٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّحْرِيْمِ، بَلْ وَأَشَدِّ التَّحْرِيْمِ، وَدَلَّتْ لِذَلِكَ أَلْفَاظُ الحَدِيْثِ وَفِيْهِ (اللَّعْنُ، شِرَارُ النَّاسِ) فَهِيَ مِنْ أَلْفَاظِ الكَبَائِرِ كَمَا لَا يَخْفَى.

2) أنَّ العُلَمَاءَ الَّذِيْنَ تَكَلَّمُوا بِالكَرَاهَةِ إنَّمَا قَصَدُوا التَّحْرِيْمَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَلْفَاظَ السَّلَفِ هِيَ أَلْفَاظُ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ (?)، وَأَمَّا الكَرَاهَةُ عِنْدَنَا - اليَوْمَ - فَهَذِهِ كَرَاهَةٌ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا المُتَأَخِّرُوْنَ لِلتَّفْرِيْقِ فِي النَّهْي بَيْنَ مَا يَأْثَمُ فَاعِلُهُ وَمَا لَا يَأْثَمُ، وَلَوْ رُحْتَ تَسْتَعْرِضُ نُصُوْصَ القُرْآنِ فِي الكَرَاهَةِ لَتَبَيَّنَ لَكَ ذَلِكَ. (?)

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (?): (وَقَدْ غَلَطَ كَثِيْرٌ مِنَ المُتَأَخِّرِيْنَ مِنْ أَتْبَاعِ الأَئِمَّةِ عَلَى أَئِمَّتِهِم بِسَبَبِ ذَلِكَ، حَيْثُ تَورَّعَ الأَئِمَّةُ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيْمِ وَأَطْلَقُوا لَفْظَ الكَرَاهَةِ، فَنَفَى المُتَأَخِّرُوْنَ التَّحْرِيْمَ عَمَّا أَطْلَقَ عَلَيْهِ الأَئِمَّةُ، ثُمَّ سَهُلَ عَلَيْهِم لَفْظُ الكَرَاهَةِ وَخَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِم، فَحَمَلَهُ بَعْضُهُم عَلَى التَّنْزِيْهِ فَحَصَلَ بِسَبَبِهِ غَلَطٌ عَظِيْمٌ عَلَى الشَّرِيْعَةِ وَعَلَى الأَئِمَّةِ). (?)

وَعَلَيْهِ فَإِنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ هُنَا يُقْصَدُ بِهِ التَّحْرِيْمُ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015