- عَقَدَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ هَذَا البَابَ لِبَيَانِ أَنَّ الحَقَّ الوَارِدَ فِي البَابِ السَّابِقِ لَيْسَ حَقًّا مُجَرَّدًا بَلْ فِيْهِ فَضْلٌ يَعُوْدُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَهُوَ أَعْظَمُ الحَسَنَاتِ وَأَعْظَمُ الوَاجِبَاتِ، لِذَلِكَ فَهُوَ أَعْظَمُ الأَعْمَالِ تَكْفِيْرًا لِلذُّنُوْبِ، وَهُوَ رَأْسُ الأَعْمَالِ وَأَهَمُّهَا وَأَوْجَبُهَا.
وَفِي الحَدِيْثِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَوْصِنِي؟ قَالَ: (إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً؛ فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا)، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَمِنَ الحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ قَالَ: (هِيَ أَفْضَلُ الحَسَنَاتِ). (?)
- إِنَّ مِنْ فَضْلِ التَّوْحِيْدِ عَلَى العَبْدِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَحْفَظُهُ بِهِ مِنْ سُوْءِ العَمَلِ وَيُوَفِّقُهُ بِسَبَبِهِ لِتَرْكِ المَعَاصِي، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوْءَ وَالفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِيْنَ} (يُوْسُف:24)، وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ إِبْلِيْسُ الرَّجِيْمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِيْنَ} (ص:83). (?)
وَهَذَا الحِفْظُ أَيْضًا مَشْمُوْلٌ بِعُمُوْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوْعَظُوْنَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيْتًا} (النِّسَاء:66).
- وَإِنَّ مِنْ فَضْلِ التَّوْحِيْدِ أَيْضًا أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ التَّهْلِيْلَ وَالتَّكْبِيْرَ سِلَاحًا لِلنَّصْرِ، كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: (سَمِعْتُمْ بِمَدِيْنَةٍ؛ جَانِبٌ مِنْهَا فِي البَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي البَحْرِ؟) قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَالَ: (لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُوْنَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوْهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا - قَالَ ثَوْرٌ (بْنُ يَزِيْدَ؛ الرَّاوِي): لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ - الَّذِيْ فِي البَحْرِ، ثُمَّ يَقُوْلُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ، ثُمَّ يَقُوْلُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا (?)، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُوْنَ المَغَانِمَ؛ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيْخُ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُوْنَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُوْنَ). (?)
- قَوْلُهُ (وَمَا يُكفِّرُ مِنَ الذُّنُوْبِ): أَيْ: وَتَكْفِيْرُهُ الذُّنُوْبَ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى {الَّذِيْنَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ} (?): الظُّلْمُ هُنَا هُوَ الشِّرْكُ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيْحَيْنِ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {الَّذِيْنَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ كَمَا تَظُنُّوْنَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيْمٌ} (لُقْمَان:13)). (?)
وَالظُّلْمُ هُنَا فِي الحَدِيْثِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْي فَتَعُمُّ كُلَّ ظُلْمٍ، وَلَكِنَّ الحَدِيْثَ قَيَّدَهَا بِالشِّرْكِ، فَيَكُوْنُ العُمُوْمُ مَقْصُوْدًا بِهِ هُنَا عُمُوْمُ الشِّرْكُ.
وَفِي الحَدِيْثِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا (الظُّلْمُ ثَلَاثَةٌ: فَظُلْمٌ لَا يَتْرُكُهُ اللهُ، وَظُلْمٌ يُغْفَرُ، وَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِيْ لَا يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ؛ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِيْ يُغْفَرُ؛ فَظُلْمُ العَبْدِ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَأَمَّا الَّذِيْ لَا يُتْرَكُ؛ فَقَصُّ اللهِ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ). (?)
- قَوْلُهُ {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ}: أَيْ: أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ فِي الآخِرَةِ، وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ فِي الدُّنْيَا. (?)
- قَوْلُ (أَشْهَدُ): أَيْ: أُقِرُّ نَاطِقًا بِلِسَانِي. (?)
- قَوْلُهُ (عَبْدُ اللهِ): رَدٌ عَلَى النَّصَارَى؛ حَيْثُ عَبَدُوا عِيْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَقَوْلُهُ (وَرَسُوْلُهُ): رَدٌ عَلَى اليَهُوْدِ، حَيْثُ كَذَّبُوا بِنُبُوَّةِ عِيْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
- قَوْلُهُ (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا): أَيْ: خُلِقَ بِكَلِمَةِ (كُنْ)، وَالإِضَافَةُ هُنَا لِلتَّشْرِيْفِ.