- قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ}: اللَّامُ هُنَا لِلتَّعْلِيْلِ، فَفِيْهَا بَيَانُ سَبَبِ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى لِلجِنِّ وَالإِنْسِ.
- مَعْنَى (يَعْبُدُوْنَ) هُنَا أَيْ: يُوَحِّدُوَن (?)، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ المُشْرِكِيْنَ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ اللهَ تَعَالَى وَكَانُوا يَعْبُدُوْنَ مَعَهُ غَيْرَهُ، فَلَمَّا أُمِروا بِالعِبَادَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُم لَمْ يَكُوْنُوا عَلَى عِبَادَةٍ مَرْضِيَّةٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
فَكُلُّ عِبَادَةٍ فِيْهَا شِرْكٌ لَا تَكُوْنُ مَقْبُوْلَةً عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا؛ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيْهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ). (?)
- قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ}: فِيْهِ أُسْلُوْبُ الحَصْرِ، فَإِنَّ الاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النَّفْي يُفِيْدُ الحَصْرَ، وَالمَعْنَى: خُلِقَتْ الجِنُّ وَالإِنْسُ لِغَايَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ العِبَادَةُ للهِ وَحْدَهُ دُوْنَ مَا سِوَاهُ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُوْلًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوْتَ}: أَوْرَدَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ لِبَيَانِ مَعْنَى العِبَادَةِ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ؛ وَأَنَّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ الرُّسُلُ هُوَ التَّوْحِيْدُ، وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَعْنَاهَا نَفْيُ الأُلُوْهِيَّةِ الحَقِّ عَنْ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى؛ وَإِثْبَاتُهَا للهِ وَحْدَهُ، وَالنَّفْيُ فِي هَذِهِ الآيَةِ مُضمَّنٌ فِي الأَمْرِ بِاجْتِنَابِ الطَّاغُوْتِ، وَالإِثْبَاتُ مُضمَّنٌ فِي الأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى.
- الطَّاغُوْتُ مَأْخُوْذٌ مِنَ الطُّغْيَانِ، وَهُوَ كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ العَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُوْدٍ أَوْ مَتْبُوْعٍ أَوْ مُطَاعٍ. (?)
- الطَّوَاغِيْتُ كَثِيْرَةٌ وَرُؤُوْسُهَا خَمْسَةٌ: (?)
1) الشَّيْطَانُ الدَّاعِي إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ} (يَس:60)، وَالشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِيْ زَيَّنَ مَعْصِيَةَ اللهِ تَعَالَى، وَزَيَّنَ طَاعَةَ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى. (?)
2) الحَاكِمُ الجَائِرُ المُغيِّرُ لِأَحْكَامِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوْتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيْدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النِّسَاء:60).
3) الَّذِيْ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُوْنَ} (المَائِدَة:44). (?)
4) الَّذِيْ يَدَّعِي عِلْمَ الغَيْبِ مِنْ دُوْنِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُوْلٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (الجِنّ:26). (?)
5) الَّذِيْ يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ وَهُوَ رَاضٍ بِهَذِهِ العِبَادَةِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُوْنِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِيْنَ} (الأَنْبِيَاء:29).