البدلان مُخْتَلفَين، كما يجري في البيع والشِّراء، ولذلك فإنَّ المجتمعَ إذا فَشَتْ فيه بيوعُ العِيْنَة، فإنه حتمًا سينعدمُ النشاطُ الاقتصاديُّ المنتج، وتعمُّ المديونية، ويزدادُ الغنيُّ غنى، والفقير فقرًا، تمامًا كالأضرارِ الناجمةِ عن الرِّبا.

ومَنْ تأمَّلَ حديثَ تَمْرِ خَيبرَ، والذي قال فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بعِ الجمعَ بالدراهم، ثم ابتعْ بالدراهم جَنِيبًا" فإنه شاهد على أنَّ عَمَلِيَّةَ التبادلِ، لا تكونُ مجديةً إلا عند اختلافِ البدلين، فالرجلُ لما أخبر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم يأخُذون الصَّاعَ بالصَّاعين، والصَّاعين بالثلاثة أنكرَ عليه رسول الله، ونهاه عن هذا الفعلِ؛ لأنَّ عَمَلِيَّةَ التبادلِ كانت قائمةً على متماثلين في الجنس، فأمره رسولُ الله باتخاذ أسلوبٍ صحيحٍ يحققُ المنفعةَ الاقتصاديةَ بأن يبيعَ الجمْعَ بالدَّراهم، ثم يشتري بالدَّراهم جَنِيبًا، ونلاحظُ أنَّ في هذا التوجيه النبوي تنشيطًا للحركةِ الاقتصادية، التي لا يكونُ من ورائها إلا كل نفعٍ وخيرٍ، والتي تُعَدُّ مقصدًا من مقاصدِ الشريعة.

ولذلك فإننا ندركُ الآن الحكمةَ والفائدةَ الاقتصادية من تحريمِ بيعِ جنسٍ بجنس مثله، فعلى سبيلِ المثالِ بيع تمرٍ بتمرٍ لا يحققُ المنافعَ المرجوَّةَ من عَمَلِيَّة التبادلِ لتماثل البدلين، وإنما تتحققُ منفعةُ التبادلِ عند اختلاف البدلين، لذلك أمرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ببيع التَّمر الرديء، ثم يشتري بثمنه تمرًا جيِّدًا، فإن قيل: وما هي منفعةُ التبادلِ التي تتحققُ عند اختلاف البدلين؟ قلت: منفعةُ التبادلِ تكمنُ في تنشيطِ الحركةِ الاقتصاديةِ، التي يستفيدُ منها كلُّ أفرادِ المجتمع، فصاحبُ التَّمر الرَّديء يبيعُه على شخص، وهذا الشخصُ يقومُ بالانتفاع به إما بالاستهلاكِ أو بالبيع، وإذا باعه فيبيعُه على آخر، وهذا الآخرُ قد يبيعه على آخر. . . وهكذا، وكذلك إذا باع صاحبُ التَّمرِ الرَّديء تمره، فإنه يقومُ بشراءِ تمرٍ جيد، لينتفعَ به، إما بالاستهلاك، أو بالبيع، وإذا باعه فيبيعه على شَخْصٍ آخر، وهذا الشَّخْصُ قد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015