وَلَعلَّ أَوَّلَ مَن تَحَدَّثَ عن حُكمِ التَّوَرُّقِ بِشَكلٍ مُفَصَّلٍ هو شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمية -رحمه الله-، فقد تحدَّثَ عَن حُكْمِه في مجموع الفتاوى (?)، وكذلك ابنُ القَيِّمِ في (إعلامِ الموقعين) (?)، غير أنه قد وَرَدَ ما يدلُّ على أَنَّ هذا المصطلحَ معروفٌ عندَ السَّلَفِ، فقدْ نَقَلَ شيخُ الإسلامِ عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ - رضي الله عنه - قوله: (التَّوَرُّقُ آخيةُ الرِّبا) (?). ويقول ابنُ القيِّمِ: "وقدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في كَراهيتِها -أَي: صورة التَّوَرُّقِ- فكانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العزيزِ يَكْرهُها، وكان يقول: التَّوَرُّقُ آخيةُ الرِّبا، ورخَّص فيها إياسُ بنُ معاوية" (?). وهذا فيه دلالةٌ على أنَّ مُصْطَلَحَ التَّوَرُّقِ مَعروفٌ عندَ السَّلَفِ.
وممَّا سبقَ يَتَّضِحُ أنَّ ابْنَ تيميةَ، وابنَ القيِّمِ، وشمسَ الدِّينِ بن مُفْلِح، والبهوتي، والمرداوي، هم الذين ذكروا مصطلحَ التَّوَرُّقِ في كتبِهم، ولم يذكرْهُ الباقونَ مِن فُقهاءِ الحنابِلَةِ.
وأمّا بقيَّةُ المذاهبِ الأُخرى فَلَمْ يَذْكُروا التَّوَرُّقَ بهذا الاسمِ، وإنَّما يتعرَّضونَ لِحُكْمه عندَ حديثِهِمْ عَنِ العِيْنَة، فالحنفية، لم يذكروا مصطلحَ التَّوَرُّقِ، وإنْ كانتْ صورةُ التَّوَرُّقِ موجودةً عندهم، ويذكرونها كَصُورةٍ جائزةٍ مِن صُوَرِ العِيْنَة، فقد ذكر بعضُهم تفسيرَ العِيْنَة، التي وَرَدَ النَّهْيُ عنها بتفسيرٍ هو عَيْنُ