التورق المصرفي (صفحة 111)

الأمر الأول: من الناحية الإجرائية (الشكلية) فإن التَّورُّق لا يشابه الرِّبا؛ لأنَّ التَّورُّق يكونُ بين أطراف ثلاثة، فالمُحتاجُ يشتري السِّلعة من البائع بثمن مؤجَّل، ثم يقوم المشتري ببيعها بنقد على طرف ثالث لا علاقة له بالبائع الأول، والبائع الأول لا يتجاوز دوره من أنه يبيعُ سلعته إلى أجل بثمن أكثر من ثمن السُّوق، وهذه الزيادةُ هي مقابل الأجل، وهذا أمرٌ مشروع، وأما الرِّبا فهو مختص بقرض بين الطرفين بزيادة في ذِمَّة المدين بدون مقابل، وتستلزم نموّ الديون، وتراكمها بلا ضوابط.

الأمر الثاني: من الناحية الحقيقية (المقصود، والمآل)، فإن التَّورُّق لا يشابه الرِّبا في المقصد والمآل؛ لأن التَّورُّق وإن كان المقصودُ منه تحصيلَ السُّيُولة، إلا أن هذا لا يجعله يدخلُ في معنى الرِّبا؛ لأن أكثر المعاملات المالية يُقصد منها تحصيلُ النقود، فالتاجر -مثلًا- يشتري السِّلعة ليبيعها على الناس بربح، والمُحتاجُ سعى ليحصل على السُّيُولة لينتفعَ بها من خلال عملية التَّورُّق، فيرى أنه رابحٌ من هذه الجهة.

يقول الشيخُ عبد العزيز بن باز: "وأما تعليل من منعها أو كرهها لكون المقصود منها هو النَّقْد، فليس ذلك موجبًا لتحريمها، ولا لكراهتها؛ لأن مقصودَ التجار غالبًا في المعاملات هو تحصيلُ نقودٍ أكثر بنقود أقل" (?).

وكون التَّورُّق يشابه الرِّبا من جهة أن المحتاجَ المُتَوَرِّق يتحمَّل كثيرًا في ذِمَّته ليحصلَ على نقد أقل منه، فإن هذا لا يقضي بحرمة التَّورُّق؛ لأنه مركَّبٌ من معاوضتين، وقد استقلت كلُّ معاوضة عن الأخرى.

الأمر الثالث: من الناحية الاقتصادية، فإن عملية التَّورُّق حينما نقومُ بتقويمها من الناحية الاقتصادية نرى أن فيها تنشيطًا للحركة الاقتصادية تمامًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015