ببديهة الْأَحْوَال وَلذَلِك جعل الله الْعُقُول حجَّة لَا ميل الطباع إِذْ أجْرى قلمه على أَهلهَا وَإِن شاركوا فِي الطباع غَيرهم مِمَّن لَيست لَهُم عقول سليمَة وألزم أَهلهَا اتِّبَاع مَا أَرَاهُم الْعقل حسنه وَإِن كَانَ فِي الطَّبْع النفار وَاجْتنَاب مَا فِي الْعقل قبحه وَإِن كَانَ فِي طبيعة الْجَوْهَر قبُوله إِذْ الْعقل يرى صَاحبه على حَقِيقَة مَا عَلَيْهِ الشَّيْء والطبع أعنى طبع الْجَوْهَر لَا يُوضح ذَلِك أَن طبع الْجَوْهَر لَا تبصر بِهِ وَلَا يمثل غير الْحَاضِر وَالْعقل يدْرك بِهِ مَا حضر وَغَابَ وَبِه يحضر على الطَّبْع مَا غَابَ حَتَّى يصير لَهُ كالشاهد مِمَّا يكرههُ ويتلذذ بِهِ وَعِنْده تسهل المحنة وتخف مُؤَن الَّذِي يكرههُ الطَّبْع وعَلى ذَلِك تَقْدِير الْكَلَام والعبارات إِنَّهَا وَإِن كَانَت تخْتَلف فِي الْحسن والقبح على الأسماع فَإِنَّهَا لَا تغير فِي الْحُقُوق إِذْ هِيَ تَتَغَيَّر وَيجوز أَن تُؤدِّي عبارَة وَاحِدَة بلسانين يكون أَحدهمَا أحلى من الآخر وَالْحسن لنَفسِهِ وَالْحق لَا يخْتَلف لاخْتِلَاف المعبرين فَلهَذَا لم يقدر حسن الْأَشْيَاء بطبع الْخلقَة وَلَا بِحسن الْعبارَة وَإِنَّمَا قدر بِالْعقلِ الَّذِي لَا يرى الْحسن قبيحا وَهُوَ الأَصْل الَّذِي يلْزم تَسْوِيَة كل أَمر من الْأُمُور عَلَيْهِ وَذَلِكَ كعلم العيان الَّذِي لَا يحْتَمل التَّغَيُّر وَلَا يناقضه جهل فَيكون هُوَ أصلا لكل خفى مَسْتُور وَكَذَلِكَ أَمر الْعقل وَمَا أرَاهُ أصل لكل أَمر مطبوع وَلما بَينا من مُخَالفَة الطبائع فِي التزيين الْمَعْقُول وَفِي التقبيح تعذر على كثير من الْخلق إِدْرَاك مَا أَرَاهُم الْعقل والطبع فَصَارَ بذلك الْمُحكم عِنْدهم فِي صُورَة الْمُتَشَابه والمتشابه فِي صُورَة الْمُحكم وَهَكَذَا أُرِيد دَرك كل شَيْء بِغَيْر سَبيله فنسأل الله أَن يعصمنا عَن رُؤْيَة الْبَاطِل بِصُورَة الْحق وَالْحق بِصُورَة الْبَاطِل فَإِنَّهُ قوي مُدبر قدير