جَوَاهِر الدَّوَابّ وَالسِّبَاع والطيور مستوحشة عَن النَّاس بالطباع نافرة عَمَّا يُرَاد بهَا من أَنْوَاع المكاسب والأعمال ثمَّ تخرج عَنْهَا بالرياضة والتعليم حَتَّى يألف بِالَّذِي كَانَ تنفر عَنهُ وَيصير ذَلِك لَهُ كَأَنَّهُ الطباع المجبول وَلَا يكون الَّذِي قبح بِالْعقلِ بِهَذَا الْوَصْف أبدا بل يزْدَاد على طول النّظر فِي شَأْنه ثمَّ على ذَلِك من احْتمل فعله ذَلِك لَا يوثق لوعده وَلَا يخَاف وعيده وَلَا يرغب فِي خَبره وَلَا يُؤمن شَره وَمن ذَا شَأْنه وَعَمله فمحال احْتِمَال إِضَافَة مثله إِلَى الْعَلِيم الْحَكِيم بِذَاتِهِ الْغنى بِنَفسِهِ مَعَ الْوَصْف بِأَن لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يصعب عَلَيْهِ أمره فِيمَا أَرَادَ بل على قَول الْمُعْتَزلَة لَا يُؤمن مِنْهُ هَذَا إِذْ قد تخرج أَكثر الْأَشْيَاء عَن إِرَادَته وَيُوجد مَا لَا يُريدهُ فِي سُلْطَانه مِنْهُ بِلَا سُلْطَان لَهُ فِي الْإِخْرَاج عَنهُ إِذْ لم يردهُ وَيُرِيد زِيَادَة سُلْطَان ويتولى ذَلِك أَن يكون فَيمْنَع عَن ذَلِك نَحْو مَا يُرِيد أَن يكون جَمِيع خلقه مُطِيعِينَ وَيكون لَهُ فِي سُلْطَانه وَملكه الطَّاعَة لَا الْمعاصِي فَلَا يكون ثمَّ قد كَانَ وعد لقوم مدَدا لأعمارهم وَهُوَ المبقى لَهُم إِلَيْهَا وَكَانَ فِي وعده أَن يرزقهم إِلَى تِلْكَ المدد أَنْوَاع الرزق ويسوق إِلَيْهِم أَنْوَاع الْخيرَات فيأتى خلق من خلائقه فيقتلوهم قبل مضى الْمدَّة فيمنعه عَن إنجاز مَا وعدوا الوفا بِالْفِعْلِ الَّذِي أخْبرهُم أَن يَفْعَله من إبْقَاء حياتهم إِلَى تِلْكَ الْمدَّة وَفِي ذَلِك إِيجَاب الْحَاجة ولحوق الْكَذِب اللَّذين يحققان السَّفه والجور مَعَ تحقيقهم لَهُ الْقُدْرَة على الظُّلم والجور والسفه وَالْكذب وكل فعل لَو كَانَ لأسقط الربوبية وأزال الإلهية فأدخلو إلهيته وربوبيته تَحت الْقُدْرَة وَالتَّدْبِير فَمَتَى يكون مَعَ مثله أَمن الْبَقَاء وَمَعَ حَاله سُكُون الْقلب بِالْوَفَاءِ بِالَّذِي وعد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
مَعَ مَا كَانَ مَوْصُوفا بالجود وَالْكَرم وَالْعَفو وَالْإِحْسَان وَفِي الْفِعْل بِالْوَصْفِ الَّذِي ذكرنَا زَوَاله جلّ عَن ذَلِك وَتَعَالَى
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الَّذِي يَدْعُو إِلَى تِلْكَ الْأَفْعَال وَيبْعَث عَلَيْهَا الْحَاجة وَالْجهل