وَأَيْضًا مَا سبق من ذكر المباهلة وَمَا كَانَ من الْأَخْبَار أَنه يسْأَل عَن كَذَا ويستفتى عَن كَذَا فَكَانَ على مَا ذكر على مَا فِي الْقُرْآن من قصَّة الْجِنّ وتصديقهم وشهادتهم لَهُ بموافقة الْكتب وَبِاللَّهِ الْعِصْمَة
وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث فِي عصر لم يعرف فِيهِ التَّوْحِيد بل كَانَ عباد الْأَوْثَان والأصنام والنيران فَجمع مَا أنزل عَلَيْهِ من الْقُرْآن هُوَ من أنجح مَا لَو اجْتمع موحدو الْعَالم من مضى مِنْهُم وَمن يكون أبدا على إِظْهَار أدلته مَا احتملت بُلُوغ عشرهَا فضلا عَن الْإِحَاطَة فِي ذَلِك الزَّمَان الَّذِي لَا يقدر على موجد وَاحِد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأَيْضًا أَن الْقُرْآن أنزل فِي عشْرين سنة فَصَاعِدا بالتفاريق مَا خرج كُله على وزن وَاحِد من النّظم وعَلى مُوَافقَة بعضه بَعْضًا مِمَّا لَو احْتمل كَون مثله عَن الْخلق لم يمْتَنع من الْخلق من الإختلاف فِي شَيْء من ذَلِك دلّ أَنه أنزل من عِنْد علام الغيوب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَاحْتج فِي إِثْبَات رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ مَا بَينا بقوله للْيَهُود {فتمنوا الْمَوْت} بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا الْوَعْد بِأَنَّهُم لَو تمنوا الْمَوْت لماتوا وَالثَّانِي أَنهم لَا يتمنون أبدا وَلَا شَيْء أيسر عَلَيْهِم من تمنى ذَلِك وبمباهلة النَّصَارَى والإخبار بِوُقُوع اللَّعْن ثَبت أَنه مَعْلُوم النَّعْت فِي كتبهمْ
فَأدْخل الْوراق أَنهم لَو تمنوا بِاللِّسَانِ لقيل إِنَّمَا أُرِيد بِهِ الْقلب وَالثَّانِي أَنهم قد آمنُوا بمُوسَى وَعِيسَى وَقد أخبراهم بذلك كَمَا يخبر المنجمة
فجواب الأول أَن المباهلة لَا تحْتَمل ذَلِك وَأَيْضًا إِنَّهُم أهل بصر إِذا لَو ردوا لقابلوا بِأَنَّهُم فعلوا ذَلِك أَيْضا بقلوبهم
والحرف الثَّانِي لَو كَانَ كَذَلِك مَا امْتَنعُوا عَن مُقَابلَته عِنْد قَوْله {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام}