ثمَّ نذْكر جمل مَا يبين فَسَاد طعنه من وُجُوه الْحجَج بِالْقُرْآنِ إِذْ هِيَ من وُجُوه أَحدهَا بنظمه من غير أَن كَانَ فِيهِ غَرِيب مُبْتَدع يخرج ذَلِك عَن عرف الْعَرَب بل هُوَ بأعذب لفظ وأملح نظم وَقد احتملت الْعَرَب الْمُؤَن الَّتِي هَلَكُوا فِيهَا وَلَا يحْتَمل ترك الْأَمر الْيَسِير مَعَ التحدي والتقريع مَعَ سَلامَة أحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِم وَهِي الْحَيَاة وتبدل الْمُبْهِج مَعَ ضنهم بهَا إِلَّا عَن عجز ظهر لَهُم من أنفسهم طباعا أَو إمتحانا
وَالثَّانِي بَيَان جَمِيع الْأُمُور الَّتِي بهَا علم الْعلمَاء أهل الْكتاب مَعَ الْعلم بِمن شهد رَسُول الله أَنه لم يكن اخْتلف إِلَيْهِم وَلَا كَانَ يخط كتابا بِيَمِينِهِ فَيحْتَمل إستعادته ثَبت أَن ذَلِك كَانَ بتعليم الله إِيَّاه
وَالثَّالِث الْإِخْبَار بِمَا يكون لَهُ من الْفتُوح وَدخُول الْخلق فِي دينه أَفْوَاجًا وَإِظْهَار دينه على الْأَدْيَان فِي وَقت ضعفه وَقلة أعوانه وَكَثْرَة أعدائه فَكَانَ على مَا أخبرهُ الْقُرْآن وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَالرَّابِع أَن الله تَعَالَى جمع فِي الْقُرْآن أصُول جَمِيع النَّوَازِل الَّتِي تكون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة دلّ أَنه عَالم الْغَيْب حَتَّى أعلمهُ أصُول ذَلِك
وَأَيْضًا مَا أظهر من مُوَافقَة الْقُرْآن سَائِر كتب الله وَبَيَان نعت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته كَقَوْلِه {الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم} وَقَوله {مُحَمَّد رَسُول الله} وَقَوله {يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} من غير اجتراء أحد مِنْهُم على إِنْكَار ذَلِك وَدفعه ثَبت أَن الَّذِي أنزل هَذِه الْكتب هُوَ الله سُبْحَانَهُ فَجَعلهَا كلهَا متفقة على اخْتِلَاف الْأَزْمِنَة وتباعد الْأَوْقَات ليعلموا أَن الْقُرْآن من عِنْد من جَاءَ مِنْهُ الْكتب وَأَن الَّذِي جَاءَ مِنْهُ الْكتب قديم لم يزل حجَّته فِي الْأَوَّلين والآخرين وَاحِدًا