بَينا من إختلاف الممتحنين فِي الْغِنَا وَالْحكمَة لم يجز تَقْدِير أَحدهمَا بِالْآخرِ وَلَا يحْتَمل حَكِيم يفعل الشَّرّ لحكمه الربوبية فتكلفه الَّذِي ذكر خطأ
وَبعد فَإِنَّهُ إِذْ جعل الْخلق قسمَيْنِ ضارا ونافعا وَجعل كل جَوْهَر مُحْتملا للألم واللذة لم يحْتَمل أَن يجعلهم كَذَلِك إِلَّا لعواقب يُحَذرهُمْ بهَا ويرغبهم فِيهَا من الْوَعيد بالشدائد والوعد بالملاذ وَبِذَلِك تتمّ الرَّغْبَة والرهبة وَالله الْمُوفق
وَبعد فَإذْ خلق الْخلق وَجعل الْبَعْض منافعا لبَعض وَإِن لم يكن لَهُ فِي ذَلِك نفع لغناه وَكَذَلِكَ المضار فَمثله يَأْمر وَينْهى بمنافع بعض بِبَعْض وإتقاء المضار مَعَ مَا يَأْمر بِمَا يَنْفَعهُمْ كَمَا خلقهمْ وَجعل لَهُم ذَلِك وَينْهى عَمَّا يضرهم وَالله الْمُوفق
وَأَيْضًا إِن فِي الْحِكْمَة الْأَمر والنهى إِن الله خلق الْبشر فِي أحسن تَقْوِيم وسخر لَهُم جَمِيع مَا على وَجه الأَرْض وبركاتها وبركات السَّمَاء من غير أَن سبق مِنْهُم مَا خرج ذَلِك مخرج الْمُكَافَأَة أَو مخرج حق قَضَاهُ فَلَا يجوز فِي الْعقل إسداء مثل هَذِه النعم إِلَى مَا لَا يعرفهَا لما فِيهِ تَضْييع وظلم النعم فلزمهم بِهِ معرفَة الْمُنعم ليعلموا من يسْتَحق الْمحبَّة ويستوجب الشُّكْر وَفِي ذَلِك لُزُوم المحنة وَوصل بذلك الْوَعْد والوعيد ليتم الرَّغْبَة والرهبة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَبعد فَإِنَّهُ قد حسن فِي الْعُقُول الصدْق وَالْعدْل وقبح فِيهَا الْجور وَالْكذب فَجعل الْفَرِيق الأول عَظِيما فِي الْقُلُوب كَرِيمًا وَالثَّانِي حَقِيرًا مهينا فَيصير الْعُقُول آمرة بكسب مَا يعلى شرف من رزق مِنْهَا وناهية عَمَّا فِيهِ هُوَ أَن صَاحبهَا فَيجب الْأَمر والنهى بضرورة الْعقل ثمَّ الثَّوَاب ليتم الْكَرَامَة لمن اخْتَار سبلها وَالْقِيَام بوفائها وَالْعِقَاب لمن آثر هَوَاهُ على إِشَارَة الْعقل