ثمَّ من أنكر الْأَمر والنهى والوعد والوعيد لم يحصل لإنشاء حِكْمَة وَإِنَّمَا حصل مِنْهُ على الْإِنْشَاء ثمَّ الإفناء ثمَّ مَعْلُوم أَن كل من ذَلِك عَاقِبَة فعله لَيْسَ بِحَكِيم فدلت حِكْمَة صانع الْعَالم بِمَا جعل فِيهِ من الْأَدِلَّة على وحدانيته وعظيم سُلْطَانه على أَنه حَكِيم وَالله الْمُوفق
مَعَ مَا كَانَ الله سُبْحَانَهُ إِذْ هُوَ غنى بِذَاتِهِ حَكِيم فِي فعله خلق الْخلق للبقاء إِلَى قدرَة جعلهَا لَهُم ثمَّ لم يَجْعَل الْبَقَاء إِلَّا بالأغذية وَقد حبب إِلَيْهِم الْبَقَاء ودوام الْحَيَاة فَلَو لم يَجْعَل عَلَيْهِم الْأَمر والنهى لبادر كل إِلَى مَا يطْمع فِيهِ من الْبَقَاء ودوام الْحَيَاة مَعَ مَا لَهُ فِيهِ من اللَّذَّة والشهوة ثمَّ يفعل أقرانه بذلك الشَّيْء نَحْو فعله فَيحدث بَينهم التَّنَازُع والتجاذب ويحملهم ذَلِك على التدافع وَفِي ذَلِك خوف الفناء بِمَا بِهِ جعل الْبَقَاء فَلَزِمَ جعل الحرمات والحل وَالْأَمر والنهى بِمَا فِيهِ من الْوَعْد والوعيد ليعلم كل مَا لَهُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ فَيسلم من كل عَدَاوَة وَتبقى لَهُ روحه وَمن أنكر الْأَمر والنهى والمحنة ذهب إِلَى معنى المحنة فِي الشَّاهِد إِنَّمَا هُوَ لظُهُور مَا خفى وتجلى مَا استتر وَالْأَمر والنهى لمنفعه ينالها الْآمِر والناهي أَو مَكْرُوه يَدْفَعهُ فَإِذا كَانَ الله غَنِيا بِذَاتِهِ عليما بالسرائر والخفيات ذهب معنى المحنة وَالْأَمر والنهى
قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن كَانَ أمره وَنَهْيه ومحنته على مَا يذكر فَإِن فعله لذَلِك لمكروه يدْفع أَو مَحْبُوب يجلب أَو عيب عَنهُ يتخلى وَالله سُبْحَانَهُ أنشأ الْعَالم لَا للَّذي يذكر فَمثله الْأَمر والنهى والمحنة مَعَ مَا كَانَ ذَلِك التَّقْدِير إِنَّمَا هُوَ فعل المحتاجين مِمَّا يَعْلُو درجاتهم وتجل أقدارهم وَلَو فعلوا غير ذَلِك كَانَ عَلَيْهِم فِي فعل ذَلِك ضَرَر عَاجل وَشر آجل فَأَما من هُوَ حَكِيم بِذَاتِهِ غنى فَهُوَ لَا يفعل لنفع وَلَا لدفع الضَّرَر فَمثله الْأَمر والنهى مَعَ مَا