بحكمة وَلَا رَحْمَة بل هُوَ سفه وقسوة إِنَّمَا كَانَ مِنْك لما شابك من آفَات الظلمَة فمنعك أَن ترى كل شَيْء بجوهره وَصورته وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ الله سُبْحَانَهُ إِذْ هُوَ الْقَادِر عَلَيْهِ بِذَاتِهِ لَا يعجزه شَيْء الْغنى بِنَفسِهِ لَا يحوجه شَيْء الْعَلِيم بِذَاتِهِ لَا يجوز أَن يجهل شَيْئا الْحَكِيم بِذَاتِهِ لَا يجوز الْخَطَأ مِنْهُ فِي الْفِعْل بَطل أَن يكون فِي خلقه تفَاوت تتناقض لَدَيْهِ الشَّهَادَة يتضاد فِيهِ التَّدْبِير وَلزِمَ القَوْل بِكُل مَا لَا تبلغه عقولنا بدرك الْحِكْمَة بعد أَن ثَبت أَنه منشئه ومحدثه أَن نعلم أَن فِيهِ حِكْمَة بليغة لم يبلغهَا على مَا لَا يعلم أَن كل حاسة من حواسنا جعلت لدرك مَا تقع هِيَ عَلَيْهِ وَإِن كَانَت تقصر رُبمَا عَن الْإِحَاطَة وتجيء حاسة أُخْرَى فتحيط بِهِ فَمثله الْعقل إِذْ هُوَ مَخْلُوق مَحْدُود لَا يُجَاوز الْحَد الَّذِي جعل لَهُ مَعَ مَا كَانَ مَوْجُودا فِيهِ قبح كل شَيْء يظْهر حسنه وَفَسَاد شَيْء يظْهر صَلَاحه فَثَبت أَنه رُبمَا يَعْتَرِيه مَا يمْنَع عَن كنه مَا يَقع عَلَيْهِ من الْحِكْمَة والسفه
وَبعد فَإِن تَقْدِير جِهَة الْحِكْمَة مِمَّن هُوَ مُحْتَاج فَقير يحبب إِلَيْهِ حَاجته ويزين فِي عَيْنَيْهِ فقره وَيحسن أَشْيَاء قبيحه بِالْعَادَةِ والإلف وَكَذَلِكَ أضدادها فَإِن من هَذَا وَصفه من الْإِحَاطَة بحكمة الربوبية ولتلك الْآفَات أَيْضا عجز عَن إنْشَاء فعل لَا عَن شَيْء إِذْ هُوَ يتقلب بالجوارح وَيسْتَعْمل الْآلَات فَأنى يكون لمن ذَلِك مَحَله فِي فعله بعد علمه أَنه يعْمل بِقُوَّة أحدثت وَعلم أفيد هُوَ التحكم بِالْعَجزِ وَالْجهل على من هُوَ بِذَاتِهِ قَادر عَالم بِالْعَجزِ عَن مثله وَالْجهل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ عَلَيْهِم فِي الْفَصْل الأول أَن يُقَال أيا من النُّور والظلمة إِذا آذته بالإنتهاء عَنهُ وينهاه عَن ذَلِك فَإِن قَالَ لَا أقرّ بسفهه إِذْ مثله فعل السَّفِيه فِي الشَّاهِد وَإِن قَالَ نعم كلفه مَا لَا يحْتَمل جوهره عِنْده فَهُوَ سَفِيه أَيْضا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأما أَصْحَاب الطبائع فَإِن الطابع مقهور لَا يقدر على الإمتناع عَمَّا طبع عَلَيْهِ بل يقدر غير كل ذِي طبع أَن يمْنَع إِيَّاه عَن توليده فَثَبت أَن عمله لغيره مَا