الْمَعْنى الَّذِي هُوَ دَلِيل مُدبر الْعَالم عليم حَكِيم ليقوم بِهِ هُوَ وَيتم وَيخرج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود إِذْ الأعجوبة فِي ابْتِدَاء كَونه إِلَى من يعلم كَيْفيَّة إنْشَاء الْأَشْيَاء لَيست بِدُونِ الأعجوبة فِي دَوَامه وقيامه على مَا هُوَ عَلَيْهِ بل كَانَت أظهر وَالْحَاجة فِي ذَلِك إِلَى غَيره أعظم إِذْ هُوَ عَن تَدْبِير نَفسه أعجز وَأَسْبَاب آجاله لَهُ بِهِ أعظم مَعَ مَا فِي كل براهين كَونه بعد أَن لم يكن أيبن إِذْ كل ذِي عقل وبصر لَعَلَّه يذكر ابتداءه أَو تقلبه من أَحْوَال تقدّمت من الصغر واللطافة مِمَّا إِذا لم يَجْعَل لتِلْك الْجُمْلَة ابْتِدَاء يبطل كَونه ثمَّ احْتِمَال كل الوهن والضعف إِلَى أَن يتلاشى وَيبْطل مِمَّا يضطره إِلَى الْعلم بِكَوْنِهِ بعد أَن لم يكن وَإِن كَانَ ذَا أَمر من يملك التَّدْبِير وَيعلم بالأحوال فالموات هُوَ الَّتِي تَحت تَدْبِير الْأَحْيَاء يَنْتَفِعُونَ بِهِ من حَيْثُ لَا يشْعر بذلك أَحَق بذلك ثمَّ دلّ كَون الْأَمْوَات على مَا للأحياء بهَا الإستمتاع على أَن الَّذِي دبرهَا هُوَ الَّذِي دبر الْأَحْيَاء إِذْ جعلهَا مستمتعا لَهُم بهَا صَلَاحهمْ
فَرَأَيْت الشُّبْهَة اعترضت الْبشر من بعد مَا بَينا مِمَّا يجب أَن يكون بِهِ دفع الشُّبْهَة لمن تصح من أوجه ثَلَاثَة أَحدهَا التَّقْلِيد بِمن ألفت نَفسه بِهِ ومالت إِلَيْهِ فَترك التفكر فِي الْأَدِلَّة وَأَقْبل على أماني النَّفس ثِقَة بهم أَو رَغْبَة فِي صحبتهم والوصول بهم إِلَى شهوات النَّفس أَو أتهاما لآرائهم أَن تهيء بهم إِلَى رشد أَو إنعامهم وَغَيره من أَسبَاب الشَّقَاء حَتَّى يبلغ بهم العياذ بشره النَّفس وَسُوء عاداتها
وَالثَّانِي نظر إِلَى الْوُجُود مِمَّا يَقع تَحت الْحَواس فَوَجَدَهُ يتقلب من حَال إِلَى حَال بالمواد والأغذية وتولد بعض عَن تعض وظنوا أَن كَون الْأَشْيَاء لَا عَن شَيْء وَالْفُرُوع لَا عَن أصل محَال وجوده لأَنهم لم يعاينوا ذَلِك وَالشَّاهِد عِنْدهم هُوَ دَلِيل الْغَائِب ثمَّ تفَرقُوا فَمنهمْ من يَقُول على هَذَا أَمر الْعَالم فِي الْأَزَل