وَكَذَلِكَ كل جَوْهَر مر أَو سم إِلَّا فِيهِ دَوَاء للداء المعضل ليعلم النَّاظر أَن القَوْل بِالشَّرِّ بالجوهر وَالْخَيْر خطأ بَاطِل بل كل جَوْهَر مِنْهُ ضرّ ونفع فَيكون فِي ذَلِك أعظم آيَات التَّوْحِيد مَعَ مَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْقُدْرَة التَّامَّة على ملك مَا يضر وينفع ليرجو وَيخَاف وَمن لَا يكون كَذَلِك لَا يتم الْأَمر بِهِ لِأَنَّهُ لَا يرهب مِنْهُ وَلَا يرغب فِيمَا عِنْده وَقد يغلبه من لَهُ الْأَمْرَانِ أَيْضا وَالثَّانِي ليتم العبر وليصح الْأَمر والنهى فَيكون للنَّظَر والفكر مجَال فِي الْأَمريْنِ وَلِأَنَّهُمَا عظة بهما وعبرة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
نبتدأ الْحَمد لله الْعلي الحميد ونتوجه إِلَيْهِ بالشكر لَهُ والتمجيد على مَا أيدنا بِهِ من التسديد ونرغب إِلَيْهِ فِي العون على مَا قصدنا لَهُ والتأييد فَإِنَّهُ على كل شَيْء شَهِيد ونسأله أَن يصلى على مُحَمَّد أفضل مَا صلى على أحد من خِيَار خلقه وَأَن يُعْطِيهِ سؤله وَأَن يلحقنا بِهِ بجوده فَإِنَّهُ غنى كريم
قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله أما بعد فَإِنِّي تَأَمَّلت وَجه اخْتِلَاف الْبشر فِي الْعَالم بعد ظُهُور آيَات حَدثهُ وأدلة جرى تَدْبِير غَيره عَلَيْهِ إِذْ مَا من شَيْء من جَوْهَر الْعَالم وأركانه إِلَّا وَهُوَ بجوهره يشْهد بِأَنَّهُ مُدبر مفطور وَأَنه مُضْطَر إِلَى عليم بأحواله غنى بِملك حَوَائِجه حَكِيم يضع كل شَيْء مَوْضِعه لِئَلَّا يتناقض فيتبدد وَأَنه لَا يحْتَمل بجوهره أَن يرجع إِلَى عدد من المدبرين بِمَا لَدَيْهِ تمكن الإختلاف الَّذِي عِنْده يُرِيد كل أَن يظْهر سُلْطَانه ويغلب ملكه ويقهر كل من نازعه وَفِي ذَلِك التفاني وَالْفساد اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون لوَاحِد مِنْهُم فضل قُوَّة أَو نصر يخضع لَهُ الْجَمِيع فَيصير كل خاضعا لَهُ ذليلا بِمَعْنى كل جَوْهَر من جَوَاهِر الْعَالم فِي خُرُوجه على مَشِيئَة غَيره وجريه عَلَيْهِ سُلْطَانه وَهُوَ